الخصائص الفريدة لبحر العرب توفر مزايا للغواصات الأميركية الرئيسة

الخصائص الفريدة التي يتمتع بها بحر العرب ، تجعل منه بيئة مثالية لعمليات غواصات البحرية الأميركية من فئة أوهايو في الوقت الذي توسع فيه عملياتها بالمحيط الهندي.

وكان غزو روسيا غير المبرر لأوكرانيا قد خلّف تداعيات جسيمة في جميع أنحاء العالم كارتفاع أسعار الطاقة وتزايد معدلات المجاعة حول العالم، لكنه من جهة أخرى، عزز قدرة الجيش الأميركي على العمل في المحيط الهندي.

ويعود ذلك إلى تكثيف الحلفاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الدوريات في المياه التي اعتادت البحرية الأميركية على التحرك فيها، ما مكن الولايات المتحدة من التركيز بصورة أكبر على المحيط الهندي.

إلى ذلك، يتوقع من انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو إضافة ترساناتهما البحرية لوضع الدفاع المشترك، ما يخفف من الحمل الملقى على البحرية الأميركية في أوروبا.

وفي المحيط الهندي، بات بحر العرب منطقة مهمة استراتيجيا، إذ أن خصائصه نموذجية لغواصات البحرية الأميركية ذات القدرات النووية من فئة أوهايو.

ولبحر العرب مسارين مهمين: يتجه الأول من خليج عدن نحو الجنوب الغربي والبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، أما الثاني فيتجه من خليج عمان نحو الشمال الغربي متصلا بالخليج العربي.

وتبلغ مساحة بحر العرب نحو 3.8 مليون كم مربع ويبلغ أقصى عمق له 4652 مترا، ويوفر عددا لا يحصى ولا يعد من مناطق الدوريات ونقاط الانطلاق الآمنة للغواصة من فئة أوهايو.

ويصل متوسط عمقه إلى 2734 مترا، ما يجعله أعمق من الخليج العربي الضحل في الكثير من المواقع ويعتبر تاليا أقل ملاءمة للغواصات الكبيرة الحجم.

ومن مزايا بحر العرب أيضا مياهه العميقة بشكل ملحوظ بالقرب من الأراضي المجاورة له، باستثناء الشمال الشرقي، قبالة باكستان والهند، وتوجد جزر قليلة في المنطقة.

ويتميز بحر العرب كذلك بأنه أحد أدفئ البحار في العالم.

ولسمة درجة حرارة عمق بحر العرب تأثير على انتقال الموجات الصوتية وفعالية السونار، وهي تقنية شائعة تستخدم للكشف عن السفن تحت السطح.

وعلى سبيل المثال، فإن السونار النشط الذي يكتشف الغواصات عبر إرسال نبضة صوت والاستماع للصدى أقل فعالية في مياهه.

وغالبا ما تفقد الإشارة العائدة في المياه الدافئة بالبحر.

فئة أوهايو

وتعد الغواصات من فئة أوهايو أضخم غواصات بنتها البحرية الأميركية على الإطلاق.

وتشتمل الفئة على 14 غواصة تحمل صواريخ بالستية وأربع غواصات تحمل صواريخ كروز.

ووفق شركة جنرال ديناميكس التي بنت الغواصات، فإن كل واحدة منها "يبلغ طولها 560 قدما [171 مترا] ولها وقدرة نقل تحت الماء تبلغ 18750 طنا وحمولة تبلغ 24 صاروخا بالستيا متعدد الرؤوس الحربية وطويل المدى من طراز ترايدنت، وتاليا، فهي تزود البحرية بمزيج لا مثيل له من القدرات الاستراتيجية وقدرات التخفي والقدرة التشغيلية الفائقة".

وكتب سباستيان روبلين لمجلة ناشيونال إنترست في عام 2021 أن "الغواصات من فئة أوهايو قد تكون أكثر نظم الأسلحة التي استحدثها البشر تدميرا".

وواصل أن "كل واحدة من تلك الغواصات التي يبلغ طولها 170 مترا تستطيع حمل 24 صاروخا بالستيا من طراز ترايدنت 2 يطلق من الغواصات ... وهذه الصواريخ يمكن إطلاقها من تحت الماء لضرب الأهداف على بعد أكثر من سبعة آلاف ميل (11265 كم)، ويتوقف ذلك على الحمولة".

"وحين يدخل الصاروخ ترايدنت 2 مجددا الغلاف الجوي بسرعات تصل إلى 24 ضعف سرعة الصوت، ينقسم إلى نحو ثماني مركبات منفصلة، كل منها يحمل رأسا نوويا تبلغ قوته 100 أو 475 كيلو طن".

"وباختصار، فإن إطلاق مجموعة كاملة من هذه الصواريخ من إحدى الغواصات من فئة أوهايو، التي يمكن إطلاقها في أقل من دقيقة واحدة، يمكن أن يطلق العنان لما يصل إلى 192 رأسا نوويا".

وبالنسبة لفئة الغواصات التي تحمل صواريخ كروز، يمكن أن تحمل كل منها ما يصل إلى 154 صاروخ كروز طراز توماهوك، وهو ما يعادل الصاروخ الذي يتم نشره في العادة في أي مجموعة قتال سطحية.

ويمكن لصواريخ توماهوك أن يكون لها مدى يصل إلى 1000 ميل (1609 كم).

ويمكن لهذه الغواصات أيضا تهيئتها بحيث تحمل ما يصل إلى 66 فرد عمليات خاصة، مثل القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية.

ولسنوات عدة، عملت هذه الفئة من الغواصات تاريخيا في المحيطين الهادئ والأطلسي.

وأصبحت الغواصة يو إس إس جورجيا أول غواصة نووية أميركية تعبر مضيق هرمز الواقع بين الخليج العربي وخليج عمان في ثمانية أعوام، وقد تجولت على سطح المياه لتسهل رؤيتها في خطوة تهدف لإظهار العزم الأميركي. وكانت الغواصة يو إس إس فلوريدا قد سبقتها في العام 2012.

ومن شأن وضع هذه الغواصة في بحر العرب أن يعزز بصورة كبيرة من الوضع الأميركي العالمي ويساعد في تحقيق مفاجأة في أي صراع.

تهديدات متزايدة

هذا ويأتي تزايد تواجد البحرية الأميركية في بحر العرب وسط أهميته الاستراتيجية المتنامية.

فهو الممر المائي الذي يتوجب على كل السفن الإيرانية عبوره لتصل إلى الموانئ العالمية، كما أنه يمثل رابطا رئيسا في "عقد اللآلئ" الصيني.

وبرزت مخاوف كثيرة إزاء حملة مشاريع البنى التحتية الضخمة التي تنفذها الصين لربط برها الرئيس بالقرن الإفريقي عبر شبكة من المنشآت العسكرية والتجارية.

وتمر خطوطها البحرية عبر عدة مضايق بحرية، بينها مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر ومضيق ملقا بين المحيطين الهندي والهادئ ومضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي ومضيق لومبوك بين جزر بالي وإندونيسيا.

هذا وتتواصل مبادرة البنية التحتية العالمية لبيجين، والتي تعرف باسم مبادرة الحزام والطريق أو حزام واحد طريق واحد، في المناطق الداخلية وصولا إلى أجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا.

ويحذر في هذا السياق منتقدون من أن مشاريع الصين، التي لها ظاهريا طبيعة تجارية، تخدم غرضا مزدوجا وتسمح لجيش الصين الذي يتنامى بسرعة بتوسيع نطاق عملياته.

وفي هذا السياق، يمكن لغواصات من فئة أوهايو التي تحمل صواريخ توماهوك وصواريخها أن تلعب دورا مهما في أي صراع محتمل في بحر العرب والمنطقة المحيطة.

فلطالما هددت إيران بغلق مضيق هرمز ومهاجمة الغواصات في حالة اندلاع حرب.

ومن شأن تدمير البنية التحتية الحرجة في سلسلة جبال زاغروس، لا سيما نظم الدفاع الجوي، أن يسمح للقوات المعارضة للنظام الإيراني بحرية السيطرة على ممر رئيس من شأنه أن يمكن الطائرات وصواريخ كروز من ضرب أهداف حيوية.

يذكر أن جبال زاغروس، وهي امتداد جنوبي لمنطقة القوقاز، تمتد من جنوب شرقي تركيا وعبر شمال شرقي العراق وتسير بمحاذاة الحدود الغربية لإيران نحو الجنوب على طول ساحل الخليج الفارسي، وصولا إلى بندر عباس على مضيق هرمز.

وتشكل السلسلة حاجزا طبيعيا، ليس فقط مع الحدود الغربية مع العراق، بل أيضا مع الحدود الجنوبية الغربية لإيران على طول الخليج العربي.

ومن شأن السيطرة على هذه الجبال أن يسمح لصواريخ كروز التي تطلق من غواصات تعمل في الخليج أن تخترق الأراضي الإيرانية بسهولة.