بيروت -- وجه حزب الله اللبناني تهديدات متكررة ضد صحافية عارضت علنا الاعتداء الأخير ضد الكاتب سلمان رشدي الذي أثارت روايته "آيات شيطانية" التي نشرت عام 1988 غضب النظام الإيراني.
وكان هادي مطر، 24 عاما، وهو أميركي من أصل لبناني، قد وجه طعنات عديدة لرشدي في الرقبة والجذع قبيل إلقاء المؤلف لمحاضرة في معهد شاوتوكوا بولاية نيويورك يوم 12 آب/أغسطس.
ويوم 13 آب/أغسطس، نشرت الإعلامية ديما صادق، وهي من مناهضي حزب الله، صورة على تويتر تجمع مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الراحل قاسم سليماني، مرفقة إياها بتعليق "آيات شيطانية".
وكان الخميني قد اتهم رشدي بـ "الكفر" وأصدر عام 1989 فتوى بهدر دمه.
وقالت صادق إنها تلقت منذ نشرها التغريدة سلسلة من التهديدات بالاغتصاب والعنف على مواقع التواصل الاجتماعي.
واستهدف جواد نصر الله، نجل أمين عام حزب الله، صادق بصورة مباشرة، حيث قام بمشاركة تغريدتها واتهمها بأنها "أداة" للحكومات الغربية، حسبما ذكرت منظمة مراسلون بلا حدود.
وفي السنوات الأخيرة، رفع حزب الله دعاوى قضائية ضد عدد من الصحافيين الذين يعارضونه، بمن فيهم صادق ، على خلفية اتهام الحزب باغتيال الناشط المعارض لحزب الله لقمان سليم.
ومنذ أواخر العام 2019 والهجمات التي تستهدف الصحافيين المعارضين لحزب الله تتزايد،مع تأكيد المراقبين حصول تراجع في حرية التعبير والصحافة في لبنان.
التهديدات ضد الصحافيين
وقال الصحافيون المعارضون لحزب الله إن حملات الحزب لإسكاتهم لن ترهبهم وإنهم سيواصلون كشف أفعاله المزعزعة للاستقرار في لبنان.
وعقب التهديدات التي تلقتها، غردت صادق قائلة "أتعرض لحملة تحريض وصلت لحد المطالبة علناً بهدر دمي".
وكتبت "وعليه، أرجو اعتبار هذه التغريدة بمثابة إخبار للسلطات اللبنانية [عن هذه التهديدات]، كما أنني أحمل علنا ورسميا قيادة حزب الله المسؤولية الكاملة لأي مكروه قد يقع علي من الآن وصاعدا".
واستهدف حزب الله أيضا مصور بلومبيرغ حسن شعبان، الذي كان يوثق تحركا لأهالي بلدته بيت ياحون بجنوب لبنان احتجاجا على انقطاع المياه.
وقال على صفحته على الفيسبوك في آب/أغسطس إنه وجد داخل سيارته رصاصة، كما وجد وورقة علقت على سيارته كتب فيها "فل من الضيعة يا عميل يا كلب".
ودانت المنظمات الإعلامية مثل منظمة مراسلون بلا حدود ونقابة الصحافة البديلة التهديدات ضد صادق وشعبان.
وحملت النقابة حزب الله مباشرة مسؤولية تهديد حياة صادق، ودعت المسؤولين لحماية الإعلاميين.
فتوى 'نافرة'
وبهذا الإطار، قال العلامة الشيخ محمد علي الحاج العاملي للمشارق إن فتوى آية الله الخميني التي صدرت منذ 33 عاما بحق سلمان رشدي تعتبر "نافرة".
وأضاف أنه لا المرجعية الدينية الشيعية العليا بالنجف، والتي يمثلها اليوم السيد علي السيستاني، ولا الذين سبقوه أصدروا فتاوى تكفير وهدر دم الناس على خلفية الاتهامات بالكفر.
وأكد "لا يستأهل كتاب رشدي [آيات شيطانية] كل هذه الضجة والفتاوى".
وتابع "كان الأجدى بعلماء الدين أن ينظروا للنصوص المسيئة للرسول [محمد] والإسلام بكتبنا التاريخية".
وأوضح أن حرية الرأي والتعبير تقضي باحترام الرأي الآخر بغض النظر عن معتقده أو دينه.
بدوره، أكد الكاتب يوسف مرتضى إيمانه بـ "حرية التعبير بالمطلق".
وقال للمشارق إن التهديدات ضد صادق وشعبان خطيرة ومخزية بحق الذين لا يتقبلون النقد، ووصفها بأنها انتهاك للحرية.
وحث حزب الله على أن يرد على صادق بالحجج وليس بالتهديد بإلحاق الأذى الجسدي، مشيرا إلى أن مثل هذه التهديدات تنم عن خوف الحزب.
'مأزق حزب الله'
وأكد مرتضى أن تهديدات حزب الله ضد الصحافيين دليل على المأزق الذي يتخبط به وخوفه من خسارة جمهوره الذي بدأ بالابتعاد عنه.
واعتبر الكاتب السياسي الصحافي أسعد بشارة في حديث للمشارق أن ما تتعرض له الإعلامية ديما صادق من تهديدات بالقتل أمر "غير مقبول".
وأضاف أنه من المؤسف أن السلطات اللبنانية لم يكن لها رد رسمي، مشيرا إلى أن هذا الصمت يشير إلى حرية التعبير في لبنان باتت مهددة.
ودعا القضاء للتحرك فورا لمساءلة من قاموا بهذا التهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "لا سيما أن هوياتهم معروفة"، مشيرا إلى أنه لا يفترض أن يسكت القضاء على مثل هذا الأمر.
بدورها، اعتبرت رلى مخايل، وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات التي يقع مقرها في بيروت، أن التهديدات ضد الإعلاميين والناشطين السياسيين تصب بإطار خطاب الكراهية ومحاولات تقييد الحرية وانتهاكات الدستور اللبناني.
وأضافت أن حزب الله يستهدف عددا من الصحافيات والناشطات بخطاب الكراهية وحملات التمييز والتشهير، في مؤشر واضح على العنف الممنهج الذي يعتمده ضد النساء في العمل السياسي.