تجري في مدينة منبج بمحافظة حلب جهود لانتشال جثث بعد عثور عمال البلدية في تموز/يوليو على مقبرة جماعية جديدة لمدنيين قتلوا على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتم العثور على المقبرة الجماعية على بعد أمتار قليلة من فندق منبج الذي كان التنظيم المتطرف قد اختاره كمركز للاستجواب إبان احتلاله للمنطقة بين عامي 2014 و2016.
وقال شهود عيان للمشارق إن البقايا وجدت مقيدة الأيدي ومعصوبة العينين، وبينها جثث لنساء وأطفال.
وقال غسان ابراهيم، وهو قائد فصيل في المجلس العسكري لمدينة منبج، إن عمال البلدية اكتشفوا المقبرة الجماعية في 27 تموز/يوليو أثناء قيامهم بعملية حفر لتطوير نظام الصرف الصحي، وذلك على بعد أمتار قليلة من فندق منبج.
وأضاف للمشارق أن البلدية تواصلت فورا مع مسؤولي لجنة الصحة والهلال الأحمر الكردي وتم تنظيم عملية الحفر لاستخراج جثث الضحايا.
وأوضح ابراهيم أن المقبرة تقع في منطقة "كانت تعتبر مربعا أمنيا مقفلا أمام المدنيين لوجود مركز تحقيق واستجواب أساسي أقامه التنظيم في فندق منبج".
وقال إن هذا الاكتشاف أمر نادر، إذ كان تنظيم داعش "يقوم بتصفية المدنيين ومعارضيه في مناطق بعيدة نسبيا عن مراكزه".
وذكر أن الأدلة التي تم اكتشافها حتى اليوم، ومن بينها رفاة أطفال ونساء ورجال مع أوراقهم الثبوتية وصور وغيرها من المقتنيات الشخصية، تشير إلى أن الضحايا حاولوا على الأرجح الفرار من مناطق سيطرة داعش.
وتابع أنه يبدو أنه "تم القبض [على المجموعة] وتصفيتها على عجل بآخر أيام سيطرة التنظيم على منبج والتي تحررت في العام 2016".
فندق الفظائع
وبحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، كان فندق منبج المؤلف من 5 طوابق يستضيف في الماضي أجانب وسوريين كانوا يأتون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
ولكن خلال فترة سيطرته التي امتدت على سنتين، حوّل تنظيم داعش الفندق إلى سجن مروع لأي شخص انتهك التفسير المتشدد الذي يفرضه التنظيم للشريعة.
وفي هذا الإطار، أمضى أحمد عثمان 3 أشهر في هذا السجن في أواخر العام 2015 بعد أن اتهم بالتعاون مع مقاتلين ضد داعش، وكان معلقا بسلسلة حديدية ومعذبا.
واستذكر في مقابلة أجرت مع وكالة الصحافة الفرنسية في تشرين الأول/أكتوبر 2016، "لم تكن أقدامنا تطأ الأرض. وكانوا أحيانا يحركون السلسلة إلى الأعلى والأسفل" لمضاعفة الألم.
وأضاف "بعد إطلاق سراحنا ولفترة من الوقت، فقدنا القدرة على المشي والتركيز".
وتم تحويل الطوابق السفلى للفندق إلى متاهة تحت الأرض تضم زنزانات مظلمة وغرف تعذيب، حيث كان السجانون يراقبون سجناءهم عبر أبواب حديدية سوداء كانت قد أقيمت بشكل عشوائي.
كذلك، ذكر عثمان أنه تم تحويل الحمامات إلى زنزانات للسجن الانفرادي، وفي إحدى الغرف "كان يتعين على السجناء الجلوس لأيام عديدة إلى أن يعترفوا بالتهمة الموجهة إليهم" داخل حاويات حديدية.
وأشار إلى أنه كان يسمح للمعتقلين فقط بفترات استراحة قصيرة يستطيعون خلالها إما تناول الغذاء أو الصلاة، علما أنه كان يتم ضرب من كانوا يختارون تناول الفطور عوضا عن أداء صلاة الصباح.
وتابع "كانوا يضربوننا في كل مكان، على الرأس وعلى أجسامنا... كانوا يجعلوننا ندخل في دولاب كبير ويتناوبون على ضربه".
وفي حين خرج عثمان على قيد الحياة، تم إعدام أشخاص آخرين كانوا معه في السجن على يد داعش.
وذكر عثمان "هم يختلقون التهمة التي يريدونها ويقطعون رؤوس الناس على أساسها. كيف يجرؤون على إطلاق صفة الدولة الإسلامية على أنفسهم؟".
العائلات بانتظار أجوبة
وبدوره، قال أزاد دوديكي المسؤول في الهلال الأحمر الكردي، إنه "يتم التعاطي مع [قضية المقابر الجماعية] كأولوية مطلقة، نظرا للبعد الاجتماعي وحاجة آلاف العائلات لمعرفة مصير أبنائها وأفرادها".
وأضاف للمشارق أن "العدد التقريبي للمفقودين يصل إلى 8000 شخص من رجال ونساء وأطفال، اختفوا بظروف غامضة أو تم اعتقالهم من قبل عناصر التنظيم".
وذكر "اختفت أخبارهم تماما".
وأشار دوديكي إلى أن "عملية التفتيش صعبة جدا بسبب عدم وجود معلومات دقيقة حول مواقع المقابر، وقد تم فعلا الكشف عن العديد منها بواسطة معلومات تم تناقلها بين الأهالي".
ومن جانبه، قال حسين خليل، وهو أحد عناصر قوى الأمن الداخلي في مدينة منبج، للمشارق إنه تم حتى الآن رفع رفات 30 شخصا بينهم نساء وأطفال من المقبرة الجماعية.
وذكر أنه خلال عملية استخراج الجثث، لاحظ أن كل الجثث "كانت مقيدة الأيدي إلى الخلف والكثير منها معصوب العينين".
وأشار إلى أن آثار طلقات الرصاص كانت ظاهرة في بعض جماجم الضحايا.
صور ووثائق شخصية
ولفت إلى أنه "وجدت مع معظم البقايا صور شخصية ووثائق تعود للضحايا وهو أمر نادر الحدوث".
وأضاف "في المقابر التي تم الكشف عنها من قبل، لم تجد فرق الاستخراج وثائق مما صعب عملية التعرف على الضحايا والاتجاه بالتالي نحو فحوصات الحمض النووي".
وذكر أن هذه الفحوصات "لا تتوفر في منطقة شمال سوريا ويلزمها وقت وتمويل، ما أعاق التعرف على الضحايا".
وأشار إلى أنه خلافا لذلك، سيتم "الإعلان عن أسماء [ضحايا منبج] بعد فرز البقايا والوثائق والصور التي تم العثور عليها".
وذكر أن هذه المجزرة "قد تكون حصلت في الأيام الأخيرة التي سبقت تحرير مدينة منبج وكان عناصر التنظيم يقومون بتصفية كل المعتقلين للهروب من المنطقة".
ورجح أن تكون عمليات التصفية هذه قد تمت على عجل خوفا من أن يقوم المعتقلون بالتعرف على عناصر داعش بعد أن أصبحوا متأكدين من نجاح قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بتحرير المنطقة.