مع تصاعد العنف في مخيم الهول الصحراوي المترامي الأطراف، تجددت الدعوات من مديري المخيم وغيرهم لإيلاء عملية إعادة زوجات وأطفال عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى بلادهم الأولوية القصوى.
وهناك مخاوف من أن تكون إدارة المخيم التي تشرف عليها قوات سوريا الديموقراطية، قد استنفذت قدراتها لضمان مراقبة سكان مخيم الهول الذين يعتنقون الفكر المتشدد.
ونتيجة لذلك، بات كثيرون عرضة لخطر أن يصبحوا أكثر تشددا.
ويقيم في المخيم الواقع بمحافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا الآلاف من النساء والأطفال من أقارب مقاتلي داعش، والمتحدرين من نحو 60 دولة.
وينقسم المخيم إلى 9 أجزاء ويضم إجمالي 56 ألف شخص.
ويشكل العراقيون الغالبية الكبرى ويصل عددهم إلى نحو 29 ألف شخص.
كذلك، يضم المخيم نحو 18 ألف سوري، إلى جانب 8000 شخص من جنسيات أخرى يتحدرون من دول أوروبية وآسيوية ودول أخرى في المنطقة.
ويضم الجزء التاسع نساء أجنبيات يعتنقن بغالبيتهن فكر تنظيم داعش المتطرف والعنيف.
وشكلت هذه النساء وحدات الحسبة وهي مجموعات أهلية تفرض تفسير داعش المتشدد للشريعة ، وقد حرضن على العنف وأعمال الشغب ومحاولات الهرب والاعتداء على حراس المخيم ومقدمي المساعدات والمسعفين.
وفي 28 حزيران/يونيو، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن رجلا وامرأة قتلا في مخيم الهول على أيدي مجهولين.
وقتل الرجل بالرصاص في الجزء السادس من المخيم، وتم في الجزء نفسه العثور على جثة مقطوعة الرأس لسيدة سورية نازحة من محافظة حمص.
وفي اليوم نفسه، قالت الأمم المتحدة إن 106 جريمة قتل وقعت داخل المخيم خلال الأشهر الـ 18 الماضية، علما أن غالبية الضحايا كانت من النساء.
وأوضح المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا عمران رضا، أن مخيم الهول الذي أقيم بداية ليكون مركز احتجاز مؤقت، بات غير آمن أكثر فأكثر ويحكم على الأطفال المحتجزين فيه بحياة لا مستقبل فيها.
وأضاف "هذا مكان فيه الكثير من القساوة، وتحول بشكل متزايد إلى مكان غير آمن".
تشجيع على إعادة الأجانب إلى بلادهم
ووسط مخاوف من خروج الوضع في الهول عن السيطرة، يتم تكثيف الجهود من أجل حث الدول على إعادة مواطنيها من المخيم إلى بلادهم وتحمل مسؤولياتها لرعايتهم وإعادة تأهيلهم.
ويشمل ذلك عند الاقتضاء منحهم محاكمات عادلة لضمان تقديمهم إلى العدالة على خلفية أي ارتكابات تنتهك القانون.
وأشادت الأمم المتحدة بجهود بعض الدول لإعادة مواطنيها من الهول، وتشجع دولا أخرى على حذو حذوها.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن طاجيكستان أعادت من الهول إلى الأراضي الطاجيكية 146 امرأة وطفلا على صلة بمقاتلي داعش في تموز/يوليو الماضي.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في مطلع تموز/يوليو، إن فرنسا أعادت 35 طفلا و16 أما من مخيمات في سوريا يتم فيها احتجاز أقارب لعناصر يشتبه بانتمائهم لداعش، ومنها الهول.
وكشف مسؤولون أن بلجيكا أعادت من الهول في حزيران/يونيو 16 طفلا من أبناء مقاتلي داعش و6 أمهات بلجيكيات الجنسية.
ومنذ بداية العام الجاري، أعاد العراق 2500 عراقي من المخيم على 3 دفعات، وقد نقلت آخر دفعة مؤلفة من 700 شخص في 1 حزيران/يونيو.
وبعد خضوعهم للفحوصات الأمنية، تم تحويل هؤلاء إلى مخيم الجدعة في القيارة جنوبي الموصل لتلقي خدمات الرعاية والتأهيل قبل عودتهم إلى مسقط رأسهم وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم المحلية.
الحاجة إلى ’حلول ملموسة‘
وفي السياق نفسه، قالت الأمم المتحدة في 6 حزيران/يونيو إن عمليات إعادة الأجانب إلى أوطانهم مستمرة ضمن إطار عمل تنسيقي بين الأمم المتحدة والعراق، علما أن وفدا من الأمم المتحدة ومستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي قاموا بزيارة المخيم لتفقد الأوضاع فيه.
وفي 20 تموز/يوليو، دعا الأعرجي المجتمع الدولي إلى لعب دوره في حل قضية الهول "لما يمثله من خطر حقيقي على العراق والمنطقة".
وفي نيسان/أبريل وبعد وقت قصير من توليه قيادة القيادة المركزية للجيش الأميركي، زار الجنرال مايكل "إريك" كوريلا مخيم الهول.
وأعرب عن قلقه من تنامي المخاطر في الهول، واصفا الوضع بأنه "قنبلة موقوتة".
وفي مقال رأي نشر في 23 تموز/يوايو في صحيفة واشنطن بوست، أعرب سلفه الجنرال جوزيف فوتيل عن قلق مماثل.
وأشار إلى التهديد الذي يشكله المخيم لجهة الترويج لخطاب عنفي ومتطرف وتجنيد الإرهابيين فيه، داعيا إلى تشكيل فريق عمل دولي مشترك لوضع حلول فعالة لمعالجة هذه المسألة.
وكتب "هناك حاجة ماسة إلى فريق عمل دولي مشترك بين الوكالات لوضع حلول ملموسة"، لافتا إلى أنه بالإضافة إلى الموارد العسكرية، "ثمة حاجة إلى قيادة دبلوماسية وقانونية ودولية من المنظمات غير الحكومية".
وقال "يجب النظر في كل خيار لتحفيز الدول وتشجيعها على إعادة مواطنيها من الهول وتأهيلهم وإعادة دمجهم".
مخاوف إزاء ’الجيل الثالث‘
ومن جهته، حذر المحلل الأمني العراقي صفاء الأعسم من محاولة تنظيم داعش تلقين وتجنيد أبناء عناصره الذين قتلوا في العراق وسوريا بعد عام 2017.
وأشار إلى أن التنظيم يعمل على تكوين "جيل ثالث" من المقاتلين يضم أفرادا يافعين "أصبحوا اليوم مراهقين وشبانا، ويحاول عن طريق خلاياه السرية اختراق المخيمات التي يعيشون فيها، وأبرزها مخيم الهول".
وأشار إلى أن "بيئة الحياة المعزولة والمعقدة في المخيمات والقيم المشحونة بالتطرف والثأر التي تربى عليها أبناء الدواعش في كنف أمهاتهم المتشددات تجعلهم بمثابة قنابل موقوتة".
وأضاف الأعسم أن بعضهم سيكون "قادرا على تنفيذ أكثر الأعمال الإرهابية فتكا ووحشية"، مشيرا إلى أن للعراق "مخاوف كبيرة للغاية" من بقاء الوضع في مخيم الهول على ما هو عليه الآن.
وشدد على "ضرورة أن تقوم الدول التي لديها مواطنين هناك بتنظيم عودتهم إليها وعدم الاستمرار في رفض استقبالهم أو تجاهل الخطر".
وحث الأعسم على اتباع كل الوسائل الممكنة "لتقويم سلوك وتفكير المخدوعين بداعش، ومنع التنظيم من تجديد دمائه".
واعتبر ذلك "مسؤولية على عاتق الجميع، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والسلطات والمؤسسات الوطنية ورجال الدين والوجهاء وكل المؤثرين في المجتمعات المحلية".
ونوّه بأن النشاط الأخير لفلول التنظيم في عدد من مناطق العراق يشكل "مؤشرا على استمرار تحدي الإرهاب".
وختم قائلا إن أذرع داعش "لا تزال موجودة ولديها حواضن وأموال، ومن الضروري مواصلة الجهود لسحقها والقضاء على فكرها".