بيروت - في الوقت الذي يستعد فيه لبنان لإحياء الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت يوم الخميس، 4 آب/أغسطس، ما يزال تأثير الانفجار ملموسا مع انهيار جزء مما تبقى من الإهراءات داخله وعدم إثلاج صدور أهالي الضحايا.
ويوم الأحد الماضي، انهار جزء مما تبقى من إهراءات الحبوب في المرفأ مخلفا سحابة من الغبار وسط جدال حول ما إذا كان يجب الإبقاء على أنقاض الإهراءات كتذكير بكارثة العام 2020 أو هدمها كليا.
وفي هذه الأثناء، أكد أهالي ضحايا الانفجار أنهم سيواصلون المطالبة بالعدالة لأحبائهم، وذلك في ظل تعثر التحقيق وعدم توصله حتى الآن إلى أي نتائج مثمرة.
وقالوا للمشارق إنهم يعتزمون كشف هوية معرقلي التحقيق ومطالبة المجتمع الدولي بالمساعدة في تحديد هوية المسؤولين عن الكارثة.
وشددوا على أن المساعدة الدولية باتت حيوية لتحقيق العدالة، مشيرين إلى أن الحكومة اللبنانية منعت القاضي طارق البيطار من استكمال التحقيق في الانفجار.
وكان انفجار المرفأ قد أسفر عن مقتل 217 شخصا على الأقل وإصابة آلاف آخرين، وألحق أضرارا بالمباني في دائرة نصف قطرها 10 أميال من موقع الحادثة.
وتولت الشرطة العسكرية التحقيق بداية، قبل أن يتحول إلى المحقق العدلي فادي صوان فالقاضي البيطار.
ولكن تم تعليق التحقيق بعد طلبات رد رفعها 3 وزراء سابقين اتهموا بارتباطهم بالحادثة وهم النائبان غازي زعيتر وعلي حسن خليل والسياسي اللبناني يوسف فنيانوس.
وقال بعض أهالي الضحايا إنهم يعتزمون رفع دعاوى شخصية ضد الرجال الثلاثة وعدد آخر من المشتبه بهم، كاشفين عن وجود أدلة جديدة.
انهيار إهراءات الحبوب
ويوم الأحد الماضي، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن سحابة من الغبار غطت المرفأ بعد انهيار جزء مما تبقى من إهراءات الحبوب، وذلك بعد أكثر من أسبوعين على اشتعال النيران فيها.
وعملت مروحيات الجيش على إغراق المنطقة بالمياه لإخماد النيران.
وقال وزير الأشغال العامة علي حمية "انهارت صومعتان حتى الآن، وهناك صومعتان أخريان على وشك الانهيار" في القسم الشمالي من الإهراءات التي لحقت بها أضرار جسيمة.
وامتصت الإهراءات التأثير الأكبر للانفجار الضخم الذي وقع في 4 آب/أغسطس 2020، وحمت بذلك معظم مناطق غربي المدينة من الانفجار المدمر الناجم عن احتراق نترات أمونيوم كان مخزنا بصورة عشوائية.
وحذر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي من احتمال سقوطها.
وبحسب السلطات، تسبب تخمر مخزون الحبوب المتبقي إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة في الصيف باندلاع حرائق داخل الإهراءات يوم 8 تموز/يوليو.
وكانت الحكومة قد اتخذت في نيسان/أبريل الماضي قرارا بهدم الإهراءات لمخاوف مرتبطة بالسلامة العامة، لكنها علقت تطبيقه بعد اعتراضات وردت لا سيما من أهالي ضحايا الانفجار الذين يريدون أن تحول الإهراءات الى معلم تذكاري.
ولا يستبعد المحامي بيار الجميل الذي فقد شقيقه جاك جراء الانفجار، فرضية أن يكون الحريق قد افتعل بعد رفض مجلس النواب في 26 تموز/يوليو الإسراع بإقرار مشروع قانون متعلق بالملف.
وفي حال الموافقة عليه، سيحمي مشروع القانون ما تبقى من الإهراءات من الهدم حتى انتهاء التحقيق، وسيعلنها جزءا من نصب تذكاري وطني لإحياء ذكرى مأساة 4 آب/أغسطس 2020.
وقال الجميل للمشارق "يبدو أن هناك نية لهدم الإهراءات لأنه لم يخمد الحريق إلا ليوم واحد لتشتعل النيران مجددا".
وأضاف "نحن في بلد لا قانون ولا عدالة ولا مسؤولية ومحاسبة. نقاتل منذ عامين من أجل الحقيقة، وهم يريدون إسكاتنا بالقوة".
وتابع "بما أن التحقيق متوقف منذ 7 أشهر ولا أمل باستكماله، فإن ذلك يستدعي التوجه إلى تحقيق دولي".
وأردف "أتمنى من القضاء اللبناني إعطاءنا الحقيقة. لكن لا أحد لديه الجرأة لرواية ما حصل".
المطالبة بالعدالة
ومنذ اليوم الأول، يواجه التحقيق اللبناني في الانفجار عراقيل سياسية منهجية وصارخة.
وفي حديثه للمشارق، أوضح ويليام نون الذي فقد شقيقه جو في الانفجار، أن أهالي الضحايا يطالبون بالعدالة ويعتزمون فضح معرقلي التحقيق.
وقال إنه تبين لأهالي الضحايا أن أمين عام حزب الله حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري يحاولان عرقلة التحقيق عبر الدفع بتقديم طلبات رد ومخاصمة بحق القاضي البيطار.
ولفت إلى أن حمايتهما للسياسيين المتهمين الثلاثة ومساعيهما لملاحقة المحقق القضائي، هي ممارسات تؤكد تورطهما.
وأضاف نون أنه ينوي تقديم شكوى شخصية ضد 25 شخصا زعم أنهم "سهلوا دخول نيترات الأمونيوم إلى المرفأ" أو "وقعوا على المستندات التي سمحت للسفينة بالدخول".
وتابع نون أن "الشكوى ستطال أيضا عناصر من مخابرات الشرطة العسكرية كانوا على علم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ وأرسلوا مراسلات بشأنها، لكنهم لم يتخذوا أي إجراء لتجنب الكارثة".
وأشار إلى أن أهالي الضحايا يعملون بمنهجية لمعرفة الحقيقة، بما في ذلك التواصل مع مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأفراد وكيانات أخرى.
وفي هذا السياق، طالبت حياة أبو شقرا والدة الضحية شادي أبو شقرا، بالعدالة لأبنها ولكل ضحايا الانفجار.
وقالت للمشارق "عندها فقط سأفك الحداد. بقي ابني الأبكم والأصم 24 ساعة يصارع الموت الذي غلبه تحت ردم 3 طوابق".
وأضافت "حتى اليوم أسأل كم عانى. من كانوا سبب التفجير هم بلا ضمير".
وتمنت أن يستكمل القاضي البيطار التحقيق "لأن الحقيقة يجب أن تظهر على الرغم من محاولتهم طمسها".
وختمت قائلة "وبانتظار ذلك، أتحدث مع شادي لأقول له نيالك بالسماء".