كونه يقع بين سوريا وإيران، يقبع العراق في موقع غير مريح في قلب مثلث إقليمي لتهريب المخدرات يسهّل لعملياته الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه الذين يعتمدون على إيراداته لتمويل أنشطتهم.
وأكد مسؤولون أنه مع تدفق المخدرات إلى العراق وعبره من الشرق والغرب، عمدت بغداد إلى اتخاذ خطوات لكبح هذا النشاط عبر تحصين حدود البلاد.
وفي جنوبي شرقي العراق، يجري العمل حاليا على بناء ساتر ترابي وخندق على طول الحدود مع إيران وعلى طول مجرى نهر شط العرب.
وقالت مصادر رسمية إن بناء التحصينات الجديدة بدأ في حزيران/يونيو بهدف قطع طرق تهريب المخدرات التي تستخدمها شبكات التهريب.
وكجزء من المشروع نفسه، يتم تركيب أنظمة مراقبة لتتبع المهربين وتشديد السيطرة على هذا الجزء من الحدود، علما أن بعضها يمتد على طول النهر أو في مناطق الأهوار مما يجعل مراقبتها صعبة.
وجاء قرار تعزيز التحصينات الحدودية منتصف شهر شباط/فبراير الماضي، ردا على معلومات استخبارية أشارت إلى تصاعد نشاط تهريب المخدرات مع تحميل إيران والميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها في العراق مسؤولية ذلك.
ويجري العمل على بناء الساتر الترابي على طول الامتداد الجنوبي للحدود مع إيران، حيث تتكاثر الأهوار بين محافظتي ميسان والبصرة.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية حسن ناظم، إن الساتر الترابي يجري تشييده في منطقة أهوار الحويزة مع إنشاء العديد من النقاط الحدودية على طوله.
وأوضح أن الهدف الرئيس من الإجراءات الجديدة لتأمين الحدود هو "تقييد حركة مهربي المخدرات والمجرمين بين البلدين".
عصابات إجرامية
وتشرف قيادة العمليات المشتركة العراقية على بناء الساتر الترابي الذي سيمتد عند اكتماله على مسافة تفوق مائة كيلومتر.
ويتم تنفيذ عملية البناء من قبل الهيئة الهندسية في وزارة الدفاع، بالتعاون مع وزارة الموارد المائية ووزارة النفط وحكومتي محافظتي البصرة وميسان.
ومؤخرا، قام نائب رئيس قيادة العمليات المشتركة العراقية الفريق الركن عبد الأمير الشمري، بزيارة المنطقة لتفقد سير العمل.
وإلى جانب بناء الساتر الترابي، تشمل خطة التحصين الحدودية الجديدة تركيب كاميرات حرارية وإقامة أبراج تحكم، بالإضافة إلى تسيير دوريات منتظمة لمراقبة المناطق الحدودية على مدار الساعة.
وفي حديثه للمشارق، قال مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين، إن جهود الحكومة لمكافحة تهريب المخدرات والجريمة المنظمة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
ولفت إلى أن ضعف السيطرة على حدود العراق والمنافذ الحدودية يشجع "مافيات المخدرات وتهريب الممنوعات" على مواصلة أنشطتها، متهما إيران ووكلائها بتوفير "الأمن والدعم" لهذه العصابات.
وتابع "على الرغم من أن الموردين يستخدمون أساليب تهريب غير تقليدية، إلا أنه يتم يوميا توقيف العديد منهم"، مشيرا إلى عملية اعتراض طائرة خفيفة الوزن في البصرة في 4 حزيران/يونيو كانت قادمة من إيران ومتجهة إلى الكويت وعلى متنها مليون حبة كبتاغون.
’المثلث الذهبي‘
من جهة أخرى، قال ناشطون وخبراء إن إيران تعمل في هذه الأثناء على تسهيل صناعة الكبتاغون المزدهرة في سوريا وتوفير غطاء لها، ويجري من هناك نقل المخدرات عبر المنطقة لصالح الحرس الثوري ووكلائه.
وأشاروا إلى أن تهريب المخدرات بين سوريا ولبنان والعراق وإيران خلق "مثلثا ذهبيا" لتصدير المخدرات في المنطقة.
وقال الناشط جمعة المسالمة وأصله من درعا للمشارق إن "حزب الله أقام بدعم من شعبة المخابرات العسكرية والفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري عدة مواقع جديدة لتصنيع كبتاغون" في سوريا.
يُذكر أن الفرقة الرابعة هي بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري.
وقال المسالمة إنه "تم الكشف عن مواقع تخضع لحراسة مشددة في مناطق مختلفة من درعا والسويداء، وهناك معلومات مؤكدة بأنها تحتوي على كميات كبيرة من المادة الخام التي تستخدم في تصنيع [الكبتاغون]".
ولفت إلى أن الحبوب المصنعة في المعامل الواقعة في المنطقة الحدودية اللبنانية-السورية ولا سيما في دير عطية بالقرب من جبال القلمون وبلدات عسال الورد ورنكوس وقاره في ريف دمشق وبلدة القصير في حمص، تخزن أيضا في المواقع الجديدة.
وكشف عن وجود "معمل كبير في حمص يعرف باسم ميديكو ومصنع آخر في ريف اللاذقية يعرف بمصنع الباسة".
وأكد المسالمة أن وكلاء إيران في سوريا يتعاونون مع بعض السكان المحليين المعروفين بتورطهم في "تجارة وتهريب المخدرات خارج البلاد"، معتمدين على معرفتهم بجغرافيا المنطقة.
وأشار إلى أن ذلك ساعد الحرس الثوري على إنشاء نظام متكامل لإنتاج المخدرات وتوزيعها بصورة سريعة، وذلك بهدف جني الأرباح "في أسرع وقت ممكن".
طموح التوسع
من جهته، قال الباحث في الشؤون الإيرانية شيار تركو، إن الحرس الثوري الإيراني يوفر غطاء للجماعات الضالعة في تصنيع وبيع المخدرات.
ورجح أن يكون الحرس الثوري الإيراني بصدد إقامة "مثلث ذهبي" جديد في المنطقة المؤلفة من لبنان والعراق وسوريا لإغراق الشرق الأوسط بالمخدرات.
أما المحامي السوري بشير البسام، فقال إن التركيز على جعل جنوبي سوريا منطقة لإنتاج المخدرات، يكشف "خطط الحرس الثوري لتوسيع صادراته منها إلى دول الجوار مثل الأردن والعراق".
وأضاف أن "الهدف هو تغطية أكبر مساحة ممكنة دون الحاجة للتنقل داخل سوريا وتوزيع العمليات بين المصانع القديمة في القصير والقلمون وريف دمشق والمصانع الجديدة".
وأوضح أن "هذه المناطق تؤمن التصدير عبر البحر من اللاذقية التي يسيطر عليها حلفاء مقربون من الفرقة الرابعة وأجهزة أمنية أخرى يسيطر عليها أفراد من عائلة الأسد".
وقال "هذا بالإضافة إلى إمداد الموانئ اللبنانية عبر النقل البري"، مضيفا أن هذه العملية "أصبحت ممكنة بسبب سيطرة حزب الله على معظم المعابر البرية بين لبنان وسوريا".
وأردف "بالنسبة للمصانع الجديدة، فإن الخطة هي استخدامها لتصدير المخدرات إلى الخليج عبر الأردن والعراق وإيران إذا لزم الأمر".
ووفقا للبسام، يتم اختيار طريقة التصدير بحسب المنطقة المستهدفة، فتستخدم إما الطائرات المسيرة أو الطائرات الشراعية التي أصبحت نشطة مؤخرا، أو الطرق البرية تقليدية.
وفي 12 حزيران/يونيو، قالت القوات المسلحة الأردنية إنها أحبطت محاولة تهريب 900 ألف حبة كبتاغون و154 ورقة حشيش بحجم ورقة النخيل من سوريا إلى المملكة.
وأعلنت المديرية العامة السعودية لمكافحة المخدرات يوم الأربعاء، 29 حزيران/يونيو، عن إحباط محاولة تهريب أكثر من 3.5 مليون حبة أمفيتامين في جدة. وتم العثور عليها مخبأة في شحنة من الحجارة ومستلزمات الزراعة في ميناء جدة الإسلامي.