إيران التي تعاني من مشاكل مزمنة في تلوث الهواء، سجلت يومي 7 و11 نيسان/أبريل أسوأ مستوى لجودة الهواء تشهده منذ سنوات مع اقتراب مؤشر التلوث من درجة "الخطرة".
وعادة ما تتحمل مدن البلاد الرئيسة لا سيما طهران العبء الأكبر من أثر الضباب الدخاني، لكن هذه المرة، سجل الهواء في البلد بأكمله مستوى عال من التلوث بالضباب الدخاني والتراب والركام، حتى في شمال إيران على بحر قزوين حيث يكون الهواء في العادة نقيا.
وبفضل الرياح القوية، سجل التلوث انخفاضا طفيفا بعد 12 نيسان/أبريل، لكن السؤال يبقى لماذا كان البلد بأسره ملوثا هذا العام؟
وردا على القلق العام، ألقى المسؤولون الإيرانيون اللوم في التلوث على عاصفة رملية في منطقة الخليج وسد شيدته تركيا، إضافة إلى التغيّر المناخي والتصحر.
وتصف وسائل الإعلام المحلية المحافظة التلوث المميت بأنه "ضيف أجنبي غير مرغوب فيه"، في محاولة لتشويه الحقائق وخداع الشعب الإيراني.
خلل في الأولويات
ويعد تدني جودة البنزين ومازوت الصناعة من الأسباب الرئيسة للتلوث في المدن الإيرانية الكبرى، وهي حقيقة أقرت بها كل الإدارات التي سبقت إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي.
لكن رئيسي والرؤساء الذين سبقوه حاولوا إلقاء اللوم في بيع البنزين الملوث على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بسبب أنشطتها النووية وسياساتها التوسعية، مثلما فعلوا في كل مشكلة تقريبا، حسبما ذكر مراقبون.
وأشاروا إلى أنه في ظل إدارة رئيسي، يوجد تكثر الملامة ويقل العمل.
فقد رفعت الإدارة بصورة كبيرة ميزانية الحرس الثوري الإيراني وميزانية فيلق القدس التابع له وحتى ميزانية القوات المسلحة التقليدية (أرتش).
وفي الوقت عينه، ألغي دعم مكافحة التلوث والطمي والتغيّر المناخي قد ألغي من ميزانية هذا العام، على الرغم من أنه كان سابقا غير كاف.
وقال مراقبون إن ذلك يُظهر بوضوح أولويات النظام ويوضح أن الحكومة على استعداد أن ترى الشعب، ولا سيما الجماعات الحساسة، وهو يعاني فيما تلاحق سياساتها التوسعية وتتدخل في شؤون البلاد الأخرى.
وفي حين أن عوامل التصحر والجفاف والتلوث المميت تهدد حياة الإيرانيين وأرزاقهم، فإن إدارة الرئيس رئيسي، التي يدعمها بقوة المرشد الأعلى علي خامنئي، تنفق نصيب الأسد من أموال دافعي الضرائب على قواتها العسكرية.
وقال فيروز، وهو مزارع أرز في مدينة جيلان بشمال إيران، "أعيش تقريبا في وسط الغابة".
وأضاف "لم أر أبدا سماء مثل هذه، فالمرء يمكنه بالكاد أن يرى على بعد مسافة مترين أمامه. الناس يأتون إلى الشمال هربامن التلوث، لكن يبدو أن الشمال أصبح أيضا ملوثا".
الشعب يشعر بالضيق
وقالت هنا، وهي طفلة في التاسعة من العمر تعيش في مازاندران في شمال إيران، إنها حزينة جدا لأنها لم تتمكن من الخروج واللعب الأسبوع الماضي.
وأضافت "والداي قالا إننا سنترك طهران لنستنشق هواء أفضل. لكن الآن، التلوث موجود هنا أيضا".
يذكر أن تدابير كوفيد-19 تسببت في إغلاق كل المكاتب الحكومية والمدارس والجامعات مدة عامين، ما أجبر الطلاب على الدراسة من المنزل وموظفي الحكومة على العمل عن بعد.
وفي أوائل نيسان/أبريل، أعيد افتتاح المدارس والشركات بالكامل، لكن هذا الانفراج كانت لفترة قصيرة، إذ بعد ثلاثة أيام فقط، انتشر الضباب الدخاني بكثافة في جميع أنحاء البلاد لدرجة أن وزارة الصحة حذرت المواطنين من مغادرة المنازل.
وفي حين أن كثيرين عادوا إلى العمل والمدارس يوم 11 نيسان/أبريل، ما يزال القلق البالغ حيال جودة الهواء يعتريهم ، إذ لا يبدو أن الحكومة تتخذ أي إجراء للمساعدة في معالجة هذا الوضع.
فإدارة رئيسي لم تخصص أي أموال لمكافحة التلوث وخفض سعر البنزين الخالي من الرصاص أو محاولة محاربة التغيّر المناخي.
وقال داعية حماية البيئة المقيم في إيران، قمبيز مسعودي، إن "النظام ينوي تحويل اللوم عنه أو التذرع بالتغيّر المناخي والعواصف الرملية ونقص الرياح أو مشاريع البنية التحتية في دول الجوار".
وأضاف "مع أن كل عامل من هذه العوامل يمثل سببا لتلوث الهواء، فإنه يمكن معالجة كل واحد منها إلى حيد معين".
من جهة أخرى، جعلت الحكومة حياة دعاة حماية البيئة صعبة إذ تتهم الكثير منهم بالتجسس وتحتجزهم وأصدرت في السنوات الماضية بحقهم أحكاما مشددة بالسجن.
ونددت منظمة هيومان رايتس ووتش بملاحقة النظام لدعاة حماية البيئة قائلة إن "الأحكام الظالمة" التي صدرت بحقهم تمثل "سمة أخرى للطبيعة التعسفية للمحاكم الثورية في إيران".