أشاد السفير الروسي لدى دمشق مؤخرا بالنظام السوري لدعمه الثابت لروسيا وسط هجومها على أوكرانيا الذي أسفر حتى الآن عن مقتل 3455 مدنيا، وتسبب في نزوح نحو ربع عدد السكان.
وقال السفير إلكساندر إيفيموف إن "الصديق وقت الضيق"، في إشارة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك أثناء اجتماع نظمه اتحاد الكتاب العرب، حسبما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم 27 آذار/مارس.
في المقابل، أكد نائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري أن سوريا تقف إلى جانب روسيا في الصراع، وأنها مستعدة لدعم حليفتها العتيدة.
إلا أنه وراء هذا الإشهار العلني للصداقة الروسية والتضامن السوري، ثمة مؤشرات متزايدة على استغلال سوريا مع قيامها بدور الطرف الأضعف أمام أسيادها الروس.
ووفق العديد من التقارير الإعلامية، من الواضح تماما أن سوريا تستنزف من أجل مواردها الطبيعية وتستغل كمصدر للمرتزقة ويستعان بها لمساعدة روسيا في جهودها للتهرب من العقوبات.
ويصف المحللون العلاقة بين البلدين بأنها غير متكافئة واستعمارية، إذ بذلت روسيا جهودا للحفاظ على الوضع القائم في سوريا بدلا من حل الصراع لأن الظروف الراهنة تدعم أهدافها السياسية والاقتصادية.
تاريخ من الاستغلال
وبحسب المحامي السوري بشير البسام، عمدت القوات الروسية منذ سنوات إلى توسيع وجودها في سوريا واقتطاع مناطق سيطرة جديدة، سواء بصورة مباشرة أو عبر المرتزقة والميليشيات التي تمولها.
وقال إن هدفها النهائي هو السيطرة على الموارد الطبيعية الرئيسة، عبر تأمين السيطرة العسكرية أولا على مناطق محددة، ثم توقيع اتفاقات مع النظام السوري لاستغلال الموارد الطبيعية في تلك المناطق.
وأوضح أن الموارد التي تسعى لتأمينها هي النفط والفوسفات والسيليكون، وقد جلبت جماعات مرتزقة بذريعة محاربة تنظيمات مثل تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش) لحماية هذه الخطط.
ولتسهيل شحن الموارد، أمنت روسيا منفذا على البحر الأحمر وأبرمت اتفاقا مع النظام السوري مدته 49 عاما لتوسيع المنشأة البحرية التابعة للجيش الروسي في ميناء طرطوس السوري.
ويقيم استشاريو نفط وغاز روس الآن في مدينة تدمر السورية ، إلى جانب تقنيين من شركة إيفرو بوليس، وهي شركة روسية مملوكة من إيفيجيني بريغوزين، وهو حليف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومن المعروف أن بريغوزين يمول مجموعة فاغنر التي تسيطر على تدمر إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية، حسبما قال الصحافي السوري محمد العبد الله.
إلى هذا، أمنت شركة إيفرو بوليس عقودا طويلة الأمد مع النظام السوري تمنحها 25 في المائة من إيرادات النفط والغاز التي يتم توليدها في المناطق التي تخضع لسيطرة مجموعة المرتزقة الروسية.
وذكر العبد الله أن عناصر فاغنر يوفرون الحماية للفنيين في تدمر ويؤمنون تنقلاتهم اليومية من وإلى حقول الغاز والنفط.
وتوفر الشركة أيضا "الحماية" للحقول نفسها ولمعمل أسمدة كيماوية واقع عند أطراف حمص، إضافة إلى توفير الأمن حول عدد كبير من مناجم الفوسفات في تدمر.
ومجموعة فاغنر متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم في سوريا، بما في ذلك تعذيب أحد الفارين من الجيش السوري والتمثيل بجثته.
روسيا أولا
وحتى قبل أن تتسبب حرب أوكرانيا في أزمة خبز في سوريا وبلدان أخرى من الشرق الأوسط تستورد الجزء الأكبر من القمح الذي تستهلكه من روسيا وأوكرانيا، فقد ساهمت روسيا في انعدام الأمن الغذائي في سوريا.
وبعد أن كانت سوريا تتمتع بالاكتفاء الذاتي من القمح، اضطرتها الحرب التي اندلعت فيها إلى استيراد القمح من روسيا.
لكن الشركات الروسية، وبهدف حماية الإمدادات المحلية في خضم أزمة فيروس كورونا، انسحبت من ستة عقود مع سوريا العام الماضي، ما أدى إلى خفض واردات القمح السنوية إلى النصف، حسبما أفاد التقرير السوري والمؤسسة العامة السورية للحبوب.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود مصطفى إنه وسط الصراع الراهن في أوكرانيا، فإن استمرار إمدادات القمح من روسيا "مشكوك فيه ، كما هي الحال مع إمدادات القمح من بيلاروسيا وهي ثاني أكبر مورد للقمح لسوريا".
وتنشط روسيا في الوقت الراهن في تجنيد الرجال السوريين الذين يسعون باستماتة لإطعام أسرهم كمرتزقة للانضمام لجهودها الحربية في أوكرانيا ، ويقول الخبراء إنه يتم استخدامهم كوقود للمدافع وقد لا يتم دفع رواتبهم لهم.
وفي هذه الأثناء، كانت سوريا "صديق وقت الضيق" لروسيا حين عملت من غير قصد كموقع لاختبار الأسلحة الروسية التي تُستخدم الآن في حرب أوكرانيا.
وتقر روسيا علنا أنها اختبرت "كل أنظمة السلاح الروسي الحديثة" في سوريا، التي يبلغ عددها الإجمالي أكثر من 320 نوعا من الأسلحة.
محاولات التهرب من العقوبات
وفي محاولة واضحة للتهرب من العقوبات الدولية الكاسحة التي فرضت على روسيا بعد هجومها على أوكرانيا، تحولت روسيا مرة أخرى إلى سوريا.
فقد قدم الكرملين قرضين بقيمة إجمالية 1 مليار دولار أميركي لسوريا شرط استخدام المال للدفع لشركات روسية محددة في غضون مهلة زمنية مدتها ستة أشهر، حسبما أوردت مجلة نيو لاينز يوم الثلاثاء، 5 نيسان/أبريل.
وقالت المجلة إن لائحة الشركات الروسية المدرجة في الاتفاق تتضمن شركات مملوكة لبريغوزين وجينادي تيمشنكو، وكلاهما خاضعان لعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نظرا لدورهما في تسهيل الحرب الأوكرانية.
وأضافت أن القروض ربما صُممت كمخطط للتهرب من العقوبات.
ولدى سوريا بالفعل تاريخ من التهرب من العقوبات، إذ أوردت صحيفة الغارديان يوم 22 آذار/مارس أن النظام عكف على إنشاء شركات وهمية في محاولة ممنهجة لتجنب العقوبات.
وتظهر المستندات التي اطلعت عليها الصحيفة صلات واضحة بين ملاك عدة شركات وهمية والنخبة النافذة اقتصاديا التابعة للأسد وسوريا، بمن فيهم أفراد خاضعون للعقوبات، حسبما أضافت الصحيفة.
وأوضحت الصحيفة أن شخصا مرتبطا بالنظام السوري عبر شبكة معقدة من العلاقات يملك أغلبية الأسهم في ثلاثة من الشركات الوهمية الجديدة التي أنشأت في شهر تشرين الأول/أكتوبر.
واثنان من الشخصيات التي تمتلك تلك الشركات هما ابنتا أحمد خليل خليل، الشريك في شركة سند للحراسات والخدمات الأمنية.
يذكر أن سند هي شركة أمن خاصة تسيطر عليها روسيا وتشرف عليها مجموعة فاغنر، وهي مسؤولة عن حماية شحنات الفوسفات الروسية من وسط سوريا إلى طرطوس.