قال خبراء إن الحرس الثوري الإيراني يتمتع بنفوذ كبير للغاية في إيران، ويطالب بالحصة الكبرى من موازنة البلاد وعائدات البيع غير المشروع للنفط الذي تواصل حتى في ظل العقوبات.
ويهيمن الحرس الثوري على القطاعات الاقتصادية الرئيسة في إيران، وله مصالح في مجالات النفط والاتصالات والنقل والموانئ والشحن والجمارك والتصدير والاستيراد وكذلك في القطاعات الصناعية والزراعية، ما يجعله يسيطر عليها.
وعزز هذا الأمر من موجة الاستياء داخل إيران التي تواجه أزمة اقتصادية حادة، في ظل تحويل الحرس الثوري المال العام إلى خزائنه وتمويل فروعه الإقليمية، وقد تُرجم هذا الاستياء باحتجاجات شعبية عارمة ساعد الحرس الثوري في قمعها.
وحذر خبراء من أنه لا سبيل لكسر هذه الحلقة وتحقيق إصلاحات اقتصادية في إيران دون مشاركة الحرس الثوري. ولكن يستفيد هذا الأخير من الوضع الراهن ولا مصلحة لديه في تغيير أساليبه وبالتالي تبقى إيران عالقة في هذه الحلقة المسدودة.
وبحسب التقارير الأخيرة، تصدر إيران من نفطها ما يصل إلى مليون برميل يوميا، وتمكنت من إعادة إجمالي إنتاج النفط إلى مستوى ما قبل خضوعها للعقوبات والبالغ 3.8 مليون برميل يوميا، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال خبير الأعمال والمحلل الإيراني فاربود دابرسياغي إن "الحرس الثوري الإيراني يلعب دورا رئيسا في مبيعات النفط ويستخدم إيراداتها لقمع المعارضة الإيرانية".
وأوضح للمشارق أن عائدات النفط تستخدم أيضا في شراء معدات عسكرية وتمويل وكلاء الحرس الثوري الإيراني مثل حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية المتحالفة معه والحوثيين في اليمن.
ممارسات خادعة
ويتم تسليم بعض النفط على متن سفن ترفع العلم الإيراني من قبل شركات خاضعة للعقوبات الأميركية، وبينها شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة الناقلات الوطنية الإيرانية التابعة للحرس الثوري.
واستخدمت إيران أساليب أخرى في جهودها لبيع النفط والتحايل على العقوبات التي طالت قطاعها النفطي إلى جانب الحرس الثوري الإيراني والشركات التابعة له.
ووفقا لتقارير عدة، تشمل هذه الأساليب استخدام القوارب التي تعمل تحت أعلام دول أخرى ونقل البضائع من سفينة إلى سفينة في المياه المفتوحة ومحاولات إخفاء صادرات النفط.
ومن الممارسات الخادعة الأخرى، التلاعب بنظام تحديد الهوية الأوتوماتيكي للسفينة أو إلغاء تنشيطه، وهو نظام لتجنب الاصطدام ينقل باستمرار موقع السفينة في البحر. وبذلك يبقى مسارها مجهولا.
وذكرت رويترز نقلا عن شركات تتبع الناقلات، أن وجهة معظم تلك الشحنات هي الصين.
وسلّم النظام الإيراني النفط أيضا إلى سوريا وفنزويلا.
وأوضح دابرسياغي للمشارق أن "الزيادة في صادرات النفط الإيرانية جاءت بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في آب/أغسطس أنها فرضت عقوبات على شبكة وسطاء يبيعون النفط الإيراني".
وقالت وزارة الخزانة إن العقوبات استهدفت أعضاء في شبكة دولية لتهريب النفط كانت تقدم الدعم لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين الإيرانيين والمؤسسات الإيرانية في قطاع النفط، شملت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة الناقلات الوطنية الإيرانية.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن العقوبات تهدف إلى زيادة الضغط على أقسام الجمهورية الإسلامية التي لعبت دورا رئيسا في دعم فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
الهيمنة الاقتصادية
وجاء في تقرير حديث لمركز تشاتام هاوس في المملكة المتحدة، أنه على الرغم من وصول حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى السلطة تحت شعار "محاربة الفساد"، إلا أن جهودها "لن تقضي بأي حال من الأحوال على الفساد المتجذر".
وعوضا عن ذلك، استخدم كل من الحرس الثوري والعديد من المؤسسات عبر الوطنية استراتيجيات لا تعد ولا تحصى للالتفاف على العقوبات من أجل ضمان بقائها، بحسب التقرير.
وأضاف التقرير أنه في ظل غياب الإصلاحات الاقتصادية الجدية، من المرجح أن تشهد الحكومة الإيرانية مزيدا من الاحتجاجات والاضطرابات.
ولكن أكد دابرسياغي أن هيمنة الحرس الثوري على القطاعات الاقتصادية الرئيسة في إيران هي شبه مطلقة، ما يجعل أي إصلاحات صعبة التحقيق.
وأوضح أن الحرس الثوري يسيطر على قطاعات متعددة من الاقتصاد، ما يستدعي إشراكه في أي جهود لإحداث إصلاح اقتصادي حقيقي. وأضاف أن الشركات التابعة له لا تهتم إلا بتحقيق أرباح كبيرة في أقصر وقت ممكن.
ومن جهته، قال الكاتب السياسي اللبناني ومقدم البرامج الحوارية نديم قطيش في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير، إن "الحرس الثوري الإيراني هو إيران، وأي حوار أو اتفاق لا يحدث مع الحرس الثوري الإيراني سيكون بدون جدوى".
وأضاف أنه في الوقت عينه، "أي حوار أو اتفاق مع الحرس الثوري غير ممكن إذا لم يكن في نهاية المطاف يخدم توسيع مشروعه الخاص".
وختم قطيش موضحا أن "دويلة" الحرس الثوري تسللت إلى عمق الاقتصاد الإيراني وأنشأت "إمبراطورية مالية واسعة" بالتحالف مع المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي.