واشنطن -- في الوقت الذي تواصل فيه موسكو حربها الوحشية ضد أوكرانيا، ظهرت على السطح مؤخرا مخاوف متزايدة من أن تلجأ روسيا لاستخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة كما فعلت في صراعات سابقة، بهدف إعادة الزخم لهجومها المتعثر.
وغزت روسيا جارتها في 24 شباط/فبراير.
وأفاد مسؤولون أميركيون وأوروبيون يوم الجمعة، 11 آذار/مارس، عن وجود تقارير استخباراتية تشير إلى احتمال أن تكون روسيا تستعد لاستخدام أسلحة كيميائية ضد أوكرانيا.
وحذر مسؤولون أمنيون ودبلوماسيون تحدثوا إلى صحيفة واشنطن بوست شريطة عدم الكشف عن هويتهم من أن روسيا قد تشن هجوما "زائفا" تحمّل مسؤوليته لأوكرانيا أو الحكومات الغربية.
وفي وقت سابق، دق البيت الأبيض ناقوس الخطر بشأن حملة دعائية روسية جديدة قد تشير إلى أن الكرملين يمهد الطريق لبدء مرحلة جديدة من الحرب.
وتحدثت الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي في سلسلة تغريدات يوم 9 آذار/مارس، عن احتمال أن تكون روسيا تستعد "لاستخدام أسلحة كيميائية أو بيولوجية في أوكرانيا".
فمع تحوّل زخم موسكو في أوكرانيا إلى وتيرة أبطأ مما كان يأمله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كثف المسؤولون الروس اتهاماتهم بشأن وجود مختبرات أميركية مزعومة للأسلحة البيولوجية في أوكرانيا.
واعتبر مسؤولون غربيون إن هذا التكتيك هو نسق كلاسيكي في "كتاب قواعد اللعبة" الروسي.
وقالت بساكي "هذه حيلة واضحة من جانب روسيا لمحاولة تبرير استمرار هجومها المتعمد وغير المبرر وغير الضروري على أوكرانيا".
وقالت "الآن بعد أن أفصحت روسيا عن هذه المزاعم الكاذبة التي يبدو أن الصين تؤيدها، يجب أن نعي جميعا احتمال استخدام روسيا لأسلحة كيميائية أو بيولوجية في أوكرانيا، أو القيام بعملية تستخدمها فيها وتحمل مسؤوليتها للآخرين". وأضافت "هذا النمط المعتمد بات واضحا".
وجاءت التحذيرات في الوقت الذي ذكر فيه مسؤولون أوكرانيون أن روسيا استخدمت قنابل كيميائية فسفورية في منطقة دونباس شرقي البلاد، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية يوم الأحد.
ويحظر القانون الدولي استخدام قذائف الفوسفور الأبيض في المناطق المدنية المكتظة بالسكان، لكنه يسمح باستخدامها في الأماكن المفتوحة كغطاء للجنود.
وفي وقت متأخر من مساء السبت، قال أوليكسي بيلوشيتسكي، قائد الشرطة في بوباسنا التي تقع على بعد نحو 100 كيلومتر غرب مدينة لوهانسك، إن القوات الروسية استخدمت السلاح الكيميائي في منطقته.
وكتب على فيسبوك "إنه ما أطلق عليه النازيون تسمية ’البصل المشتعل‘، وهذا ما يسقطه الروس الفاشيون على مدننا. نعيش معاناة غير مسبوقة ونشهد اندلاع حرائق لا توصف".
ولم يكن من الممكن التحقق على الفور من صحة هذا التعليق.
نسق كلاسيكي من كتاب قواعد اللعبة لموسكو
وكانت موسكو قد دعت يوم الجمعة إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 عضوا لتكرار مزاعمها السابقة العارية من الصحة بأن واشنطن مولت أبحاثا للأسلحة البيولوجية في أوكرانيا.
وسبق لمسؤولين أوكرانيين كما للولايات المتحدة والأمم المتحدة أن نفوا وجود أي برنامج للأسلحة البيولوجية تدعمه الولايات المتحدة في أوكرانيا.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب بالفيديو نُشر عبر قناته الرسمية على تيليغرام يوم الجمعة، "يبدو كما يقال إننا نستعد لهجوم كيميائي".
وأضاف "هذه المزاعم تزرع القلق في نفسي لأننا بتنا ندرك تماما أنه إذا كنت تريد معرفة ما تخطط له روسيا، عليك الاستماع إلى ما تتهم به الآخرين".
وأعربت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عن مخاوف مماثلة خلال اجتماع مجلس الأمن.
وأكدت أن "روسيا تملك سجلا حافلا في توجيه اتهامات كاذبة لدول أخرى تكون في الواقع مرآة للانتهاكات التي ترتكبها بنفسها".
ورفض دبلوماسيون آخرون مزاعم روسيا ووصفوها بأنها تخيل لنظريات مؤامرة "جامحة" و "محض هراء".
وقالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إيزومي ناكاميتسو، إن الأمم المتحدة "ليست على علم بأي برنامج أسلحة بيولوجية في أوكرانيا".
أما المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، فأشارت إلى أن روسيا تستخدم منصة مجلس الأمن للحديث عن "سلسلة من نظريات المؤامرة الجامحة التي لا أساس لها من الصحة والمتهورة".
وتابعت "اسمحوا لي أن أصفها بلغة دبلوماسية بأنها محض هراء. فلا وجود البتة لأدلة موثوقة على إدارة أوكرانيا لبرنامج أسلحة بيولوجية".
من جانبه، حذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الخميس، من أن روسيا قد تنشر أسلحة كيميائية في أوكرانيا.
وقال جونسون للمحررة السياسية في شبكة سكاي نيوز، بيث ريغبي، "بالمناسبة، سأقدم لك تكهنا آخر وهو أن ما تسمعيه عن الأسلحة الكيميائية يعدّ نسقا كلاسيكيا في كتاب قواعد اللعبة الروسي".
وأوضح "بدأوا بالقول إن هناك أسلحة كيميائية خُزنت من قبل خصومهم أو من قبل الأميركيين. وهكذا عندما ينشرون هم أسلحة كيميائية كما أخشى أن يفعلوا أو يكونوا قد فعلوا... فثمة غطاء جاهز لهم وقصة مزيفة حاضرة للنشر".
’تغيير قواعد اللعبة‘
ووفقا لمسؤول كبير في الناتو تحدث عن القلق المتزايد بشأن احتمال شن هجمات كيميائية في أوكرانيا، فإن هذا القلق ينبع من "معلومات استخباراتية جديدة، إضافة إلى السجل الروسي في التكتيكات التي يستخدمها".
وأوضح المسؤول أن هذه التكتيكات تتضمن "قصف مكثف، اعتماد سياسة الأرض المحروقة في المدن، ثم استخدام أسلحة كيميائية للقضاء على من تبقى من مقاتلين، وبعدها إنكار ممارساتها تلك وشن هجمات كاذبة تحمل مسؤوليتها لآخرين".
وأكد أن أي استخدام للغازات السامة في أوكرانيا من شأنه أن ينتهك معاهدة دولية قديمة تحظر اللجوء إلى مثل هذه الأسلحة.
وقال الرئيس البولندي أندريه دودا يوم الأحد، إن استخدام موسكو للأسلحة الكيميائية في غزوها لأوكرانيا "سيغير قواعد اللعبة" وسيتطلب من الناتو إعادة التفكير في الصراع الدائر.
وأضاف أنه إذا حصل ذلك، يتعين على الناتو أن يفكر بجدية في تحركاته المقبلة.
وأضاف متحدثا باللغة البولندية مع ترجمة إنجليزية "لأنه حينها تصبح الأوضاع أكثر خطورة، ليس فقط بالنسبة لأوروبا، وليس فقط بالنسبة لمنطقتنا في أوروبا ... ولكن للعالم بأسره".
وتابع دودا أن بوتين سيلجأ إلى أية وسيلة خصوصا أنه خسر هذه الحرب "سياسيا" ولم يعد قادرا على ربحها عسكريا.
وتوعد الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة بأن تدفع روسيا "ثمنا باهظا" إذا استخدمت أسلحة كيميائية في أوكرانيا، لكنه تعهد في المقابل بتجنب استفزاز موسكو وجرها إلى "حرب عالمية ثالثة".
استخدام سابق
وحاولت موسكو دوما عرقلة التحقيقات في استخدام الأسلحة الكيميائية، في وقت سعت فيه إلى تحميل آخرين مسؤولية هذا الاستخدام ونشر معلومات مضللة.
وللكرملين تاريخ في استخدام غازات أعصاب محظورة ضد معارضي النظام، كتسميم زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني عام 2020 بغاز أعصاب نوفيتشوك، وتسميم عميل كي جي بي السابق سيرغي سكريبال عام 2018.
ونفت موسكو ضلوعها في أي من الحادثتين.
وفي سوريا، ساعدت روسيا نظام بشار الأسد في إخفاء استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.
وبعد أن أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تقرير عام 2019 استخدام الكلور في مدينة دوما التي تسيطر عليها المعارضة في العام السابق، حاولت روسيا المساعدة في التستر على مثل هذه الهجمات.
حيث رفضت روسيا تقرير المنظمة وزعمت أن هذا العمل الوحشي هو "من تدبير" متطوعي الإنقاذ السوريين المعروفين باسم الخوذ البيضاء.
وشهدت سوريا أيضا ترافق الهجمات الكيميائية مع مزاعم كاذبة أعاد المسؤولون الروس تكرارها مرارا تفيد أن مقاتلي المعارضة أنفسهم كانوا وراء الهجمات، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة.