كييف، أوكرانيا - دفع العنف الوحشي ضد المدنيين الأوكرانيين والأخطاء العسكرية مراقبي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إجراء مقارنة مع الحرب التي خاضها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
ففي عام 1979، قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان. وفي السنوات التسع التي تلت ذلك وفي ظل دفاع المجاهدين الأفغان عن بلادهم ضد جنود الجيش السوفيتي، قُتل أكثر من مليون أفغاني وأصيب مئات الآلاف من الأشخاص بإعاقات دائمة.
وهاجر 5 ملايين أو أكثر غيرهم إلى البلدان المجاورة، وأدى القتال إلى تدمير معظم البنى التحتية في أفغانستان.
وعلى الرغم من الموت والدمار، انهزم السوفيت وانسحبوا في شباط/فبراير 1989.
وبعد ذلك بعامين، انهار الاتحاد السوفيتي.
ويصادف اليوم أي الثلاثاء، 8 آذار/مارس، اليوم 13 من الغزو الروسي لأوكرانيا.
اشتد القصف الروسي على المدن الأوكرانية، حتى مع ورود تقارير عن نفاد الوقود لدى الرتل الروسية وانسحاب جنودها أو استسلامهم بشكل جماعي.
ويُعتقد أن آلاف الأشخاص قتلوا أو جرحوا، وفرّ أكثر من مليون أوكراني إلى الغرب وسط أزمة لاجئين تزداد تفاقما.
وبالنسبة للعديد من المراقبين، أعادت مشاهد الهجمات الروسية على المدنيين الأوكرانيين إلى الأذهان الانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوفيتي في أفغانستان.
وفي تلك الحرب التي استمرت 9 سنوات، "تعامل السوفيات بقسوة مع المتمردين المجاهدين وكل من دعمهم، مدمرين قرى بأكملها"، بحسب ما كتبت مجلة أتلانتيك عام 2014.
وذكرت "قُتل ما يقدر بمليون مدني".
’تماما كما حدث في أفغانستان‘
وفي خطاب تلفزيوني بُث يوم الخميس، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشعبين الروسي والأوكراني بأنهما "شعب واحد"، متعهدا بإلحاق الهزيمة بـ "النازيين الجدد" في أوكرانيا.
وادعى أن "العملية الخاصة" تسير بحسب الخطة التي وضعت لها.
وقال المحلل العسكري الذي عمل سابقا في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية أوليغ زدانوف، إن تبرير الروس لغزو أوكرانيا مطابق لما قاله السوفيت في كانون الأول/ديسمبر 1979 عندما قام الجيش السوفيتي بغزو أفغانستان.
وأوضح زدانوف لموقع كارافانسيراي "تماما كما حصل في أفغانستان، يتم اليوم خداع الجنود الروس من الناحية العقائدية. إنهم متأكدون من أنهم يؤدون واجبهم الدولي. فإنهم يساعدون الشعب الأوكراني ’الشقيق‘ في بناء مستقبل أكثر إشراقا في بلدهم".
في عام 1978، نفذت مجموعة من الضباط الأفغان الموالين للسوفيت انقلابا. ومع ذلك، لم يتمكنوا من تسويق الشيوعية للشعب الأفغاني.
وانتفض المجاهدون المتمردون على الحكومة.
وردا على ذلك، أمر المكتب السياسي السوفيتي في كانون الأول/ديسمبر 1979 بشن "عملية عسكرية" في أفغانستان، متجنبا بحذر استخدام مصطلحات مثل "الحرب" أو "الغزو"، تماما كما يحدث اليوم.
وقال زدانوف "أتذكر الاحتفال بنشر الجنود في نادي أكاديميتي العسكرية. اعتقدنا أننا نساعد الناس في ذلك البلد البعيد على التأسيس للاشتراكية".
وتابع "لم يدرك أحد أن هذه كانت حربا وأن الحرب هي اجتياح، تماما كما هي الحال راهنا في أوكرانيا".
وفي عام 1979، قال المارشال السوفيتي سيرغي سوكولوف الذي كان آنذاك مسؤولا عن الغزو، إن الاتحاد السوفيتي سيسيطر على الأمور في غضون شهر واحد.
وبدلا من ذلك، سرعان ما بدأت نعوش الزنك التي يطلق عليها تعبير "كارغو 200" الملطف بالعودة إلى الاتحاد السوفيتي.
وبحسب الكرملين، قتل أكثر من 15 ألف جندي سوفيتي في أفغانستان.
’لم يكن أمامنا خيار آخر‘
ويُعد تزايد عدد القتلى الروس في أوكرانيا وجها آخر من أوجه الشبه مع ما حدث خلال الاجتياح السوفيتي لأفغانستان.
فيوم الأربعاء، قدرت وزارة الدفاع الروسية عدد عناصر القوات الروسية الذين قتلوا في أوكرانيا بـ 498 عنصرا، ولم تعمد منذ ذلك الحين إلى تحديث هذه الحصيلة.
وفي المقابل، قدّر الجيش الأوكراني يوم الجمعة العدد الإجمالي للقتلى الروس حتى الآن بـ 9166.
وفي مقاطع فيديو لعمليات الاستجواب التي نشرتها دائرة الأمن الأوكرانية، يقول العديد من أسرى الحرب الروس إنهم لم يكونوا على علم بالمكان المتوجهين إليه.
وفي إحدى هذه المقاطع، قال أحد كبار القناصين الروس أنطون بيتروك بعد أن أسره الجنود الأوكرانيون، "كان قد مضى علينا أسبوع تقريبا ونحن نمارس تدريبات في ميدان إطلاق النار في كوزمين. ثم جمعونا وأرسلونا بالقرب من الحدود وقالوا لنا إننا سنتمركز هناك".
وأضاف "فجأة عبرنا الحدود ليلا ووصلنا إلى إحدى القرى. لم يكن أمامنا خيار آخر".
وتابع "فإذا رفضت الذهاب للقتال بعد أن عبرت الحدود، سيكون عملك هذا بمثابة خيانة تكلفك بين 15 و25 عاما في السجن. ويعتبر أيضا تمردا، ما يضيف من سنوات السجن لتقضي فيه حياتك كلها تقريبا".
وفي الفيديو نفسه، قال أسير حرب يُدعى فلاديسلاف عبر الهاتف لوالدته "لقد أُرسلت لقتال شعب شقيق بناء على أمر إجرامي أصدره رئيسنا".
وذكر "أمي، أرجوك أعديني إلى المنزل. لا أريد أن أكون هنا بعد اليوم".
وفي هذا السياق، قال فولوديمير فيسينكو المحلل السياسي ومدير مركز بنتا للدراسات السياسية، لموقع كارافنسيراي "أعادت روسيا إحياء العديد من الممارسات السوفيتية. فخلال الحرب الأفغانية عمد [الاتحاد السوفيتي] في البداية إلى إخفاء حجم خسائره بشكل كامل".
وأضاف "لكن في وقت لاحق، وعندما بدأت تلك الطائرات التي أطلق عليها الناس اسم ’الزنبق الأسود‘ بالعودة وهي محملة بالنعوش، أصبح من المستحيل إخفاء عدد القتلى".
وتابع "من حيث الجوهر، نشهد تكرار الممارسة نفسها اليوم أيضا. ففي معظم الحالات، ليس لدى [أهالي] الجنود الروس أدنى فكرة عن مكان تواجد أبنائهم".
’خسائر جسيمة‘
وقال محللون إن التداعيات الكارثية للحرب الأفغانية قد تتكرر في أوكرانيا.
وأشار المحلل السياسي أوليغ ليسنوي إلى أن أحد أسباب سحب الاتحاد السوفيتي قواته من أفغانستان كان مساعدة الولايات المتحدة للمجاهدين.
وأوضح لكارافانسيراي "عندما زودت الولايات المتحدة المجاهدين بصواريخ ستينغر أرض-جو، فقد الجيش السوفيتي تفوقه الجوي".
وأضاف أن تدفق الأسلحة الأجنبية لمساعدة الأوكرانيين على تحدي التفوق الجوي الروسي سيكون له تأثير مماثل على حظوظ الروس في أوكرانيا.
وتابع "ستتكبد روسيا خسائر جسيمة" إذا وصلت مثل هذه المساعدات.
وعلى الرغم من أن موسكو نفسها قررت سحب قواتها من أفغانستان، كان الأوان قد فات لإنقاذ الموقف.
وانهار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، وسقطت الحكومة الأفغانية المدعومة من روسيا عام 1992.
وساعدت تكلفة الحرب إلى جانب انخفاض أسعار النفط وأثره في تراجع إيرادات الخزانة السوفيتية، في القضاء على الاتحاد السوفيتي.
وبحسب ما نقله موقع Globalsecurity.org، قدرت المخابرات الأميركية أن الاتحاد السوفيتي أنفق نحو 18 مليار روبل روسي (24.3 مليار دولار بسعر الصرف في ذلك الوقت) أو أكثر من 73 مليار دولار بسعر الدولار اليوم لخوض الحرب من عام 1979 حتى عام 1986.
وفي أوكرانيا، تكلفت روسيا في الأيام الأربعة الأولى من الحرب ما يصل إلى 7 مليارات دولار من النفقات العسكرية المباشرة، حسبما قدر مركز الانتعاش الاقتصادي في كييف في دراسة نُشرت يوم الاثنين الماضي.
علاوة على ذلك، عمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب بالفعل إلى فرض عقوبات كبيرة تهدف إلى شل الاقتصاد الروسي وعرقلة قدرة البنك المركزي على الدفاع عن الروبل. ومن هذه العقوبات إغلاق المجال الجوي وتجميد الأصول واستبعاد 7 بنوك من شبكة سويفت للتواصل بين المصارف.
وأكد ليسنوي في هذا السياق أنه إذا فقدت روسيا تفوقها الجوي، "لن يكون لدى بوتين ما يكفي من الطاقة البشرية أو الموارد لإبقاء هذه الحرب دائرة فترة طويلة".