دمشق - صقلت روسيا التي غزت أوكرانيا الأسبوع الماضي، خبرتها العسكرية وتكتيكاتها بعد تدخلها منذ أكثر من 6 سنوات في سوريا لدعم حليف رئيسي لها هو الرئيس بشار الأسد.
وشكّل بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا نقطة تحول في قدر الأسد، ومكّن موسكو من تمتين علاقاتها العسكرية والاقتصادية والثقافية مع النظام.
ومنذ أن سعت الجماعات المؤيدة للديمقراطية لأول مرة للإطاحة بالأسد عام 2011، قُتل أكثر من 500 ألف شخص وأدى الصراع المستمر إلى انتشار ملايين اللاجئين السوريين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا.
وجود عسكري
وفي عام 2015، بدأت روسيا تنفيذ ضربات جوية في سوريا لدعم قوات الأسد المتعثرة.
وساعدت القوات الموالية للنظام على استعادة الأراضي التي فقدت السيطرة عليها، وذلك في سلسلة من الانتصارات ضد المعارضة والجماعات المتطرفة، نفذت خلالها قصفا عنيفا وخلفت دمارا هائلا.
وقالت موسكو إن أكثر من 63 ألف جندي روسي انتشروا في سوريا.
ومن غير الواضح عدد الذين يتمركزون هناك راهنا.
وتملك موسكو قاعدتين عسكريتين في سوريا، الأولى في مطار حميميم في شمالي غربي البلاد، والثانية في ميناء طرطوس البحري في الجنوب.
وإن القاعدتين محميتان بأنظمة الدفاع الصاروخي إس-300 وإس-400.
وتسيطر روسيا على الأجواء في معظم أنحاء الدولة التي مزقتها الحرب، واحتفلت في الداخل الروسي بالدور الذي لعبته قواتها الجوية في سوريا.
فتوجهت قاذفات مثل تو-22 وتو-160 من روسيا لضرب أهداف في سوريا.
ولعبت السفن الحربية والغواصات الروسية أيضا دورا بارزا في دعم عمليات القصف التي تشنها موسكو من البحر الأبيض المتوسط عبر إطلاق الصواريخ على أهداف محددة.
ولم تخف روسيا استغلالها العسكري لدورها في سوريا، فاعترفت أنها اختبرت "جميع أنظمة الأسلحة الروسية الحديثة هناك"، مستخدمة السوريين كفئران تجارب وبلادهم كساحة تدريب.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إن روسيا اختبرت أكثر من 320 نوعا من الأسلحة في سوريا، حسبما أفادت وكالة الأنباء الروسية تاس في 30 آب/أغسطس.
وأضاف "في الواقع، اختبرنا جميع الأسلحة [في سوريا]، باستثناء الإصدارات سهلة الفهم"، وتباهى بأن قطاع الدفاع الروسي بات أكثر متانة بكثير خلال السنوات الأخيرة.
إلى هذا، أشار مسؤولون ومراقبون إلى وجود "جيش ظل" في سوريا يتألف من مرتزقة روس، بينهم العاملون لدى شركة فاغنر العسكرية الخاصة والتي عمدت خلال الأشهر الأخيرة إلى نشر مقاتليها في أوكرانيا أيضا.
نفوذ اقتصادي
وعلى مدى السنوات الستة من وجود موسكو في سوريا، تمكن الكرملين من الحصول على دور ضخم في الاقتصاد السوري بفضل علاقاته السياسية والعسكرية مع النظام.
ففي السنوات الأخيرة، وقّعت دمشق وموسكو اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والبناء والزراعة.
وتشمل هذه الاتفاقيات إتفاقية مع شركة ستروي ترانس غاز الروسية تمنحها سيطرة كاملة على أكبر ميناء في سوريا بطرطوس مدة 49 عاما، ما سيعزز الهيمنة الروسية على الساحل السوري بأكمله.
ومنذ ذلك الحين، تبذل روسيا جهدا كبيرا لتوسيع قاعدة طرطوس البحرية، وهي موطئ قدمها البحري الوحيد في البحر الأبيض المتوسط. ومن المقرر الانتهاء من بناء رصيف عائم عام 2022، ومن المتوقع أن يزيد هذا الرصيف من قدرات المرفق.
وفي المحصلة النهائية، سيمكّن ذلك روسيا من إصلاح السفن البحرية والغواصات في سوريا، وهي مهمة لا يمكن القيام بها حاليا إلا في أحواض بناء السفن في شمالي غربي روسيا.
ومُنحت الشركة نفسها امتيازا مدة 50 عاما لاستخراج الفوسفات في المنطقة الوسطى من تدمر.
ووفقا لموقع سوريا ريبورت وهي مجلة اقتصادية إلكترونية، وقعت الحكومة السورية في آذار/مارس 2020 اتفاقية مشاركة إنتاج بقيمة 22 مليون دولار مع المؤسسة العامة للبترول وشركة ستروي ترانس غاز.
وكشف الموقع أن الاتفاقية تسمح للشركة الروسية بإزالة الألغام وإعادة تأهيل واستكشاف وتطوير حقول الثروة النفطية دون دفع ضرائب للحكومة السورية.
وأضاف أنه بين أيلول/سبتمبر 2019 وكانون الثاني/يناير 2020، منحت سوريا 4 عقود جديدة للتنقيب عن النفط للعديد من الشركات الروسية.
وأوضح خلال الشهر الجاري أن "شركة تدعى كابيتال حصلت على عقد لبناء منطقة بحرية، بينما وقعت ميركوري وفيلادا 3 عقود للكتل البرية".
ولم يُسمع بهذه الشركات الثلاث قبل فوزها بهذه العقود.
إلى هذا، قدمت موسكو إلى دمشق مساعدات مالية محدودة جدا كقروض، لكنها زودت سوريا بالقمح كشكل من أشكال المساعدة.
وتعتمد الحكومة السورية على موسكو في الكمية الأكبر من وارداتها من القمح. ومع ذلك، فقد أثبتت السنوات الأخيرة أنه لا يمكن الاعتماد على هذه الواردات في ظل تراجع موسكو عن التزاماتها بتزويد سوريا بالقمح في أوائل عام 2021، في محاولة منها لحماية إمداداتها المحلية خلال انتشار جائحة فيروس كورونا.
وقالت وسائل إعلام رسمية إنه في اليوم الذي بدأت فيه روسيا غزوها لأوكرانيا أي في 24 شباط/فبراير، تبنت الحكومة السورية إجراءات لحماية اقتصادها المتضرر أصلا من الحرب من تداعيات هذا الغزو.
ولدعم مخزونها من الوقود والقمح، اقترحت الحكومة السورية الحد من توزيع ما تستورده من مواد أساسية بهدف تأمين استمرار توفر الإمدادات مدة شهرين على الأقل.
نفوذ ثقافي
واكتسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شهرة في مختلف المناطق السورية التي تسيطر عليها الحكومة، وزار البلاد مرتين على الأقل منذ عام 2017.
وفي البلدات والقرى القريبة من قواعد موسكو في طرطوس واللاذقية، تتدلى صور بوتين وترتفع الأعلام الروسية على أعمدة الكهرباء كما على المباني.
وفي دمشق، تظهر الأعلام الروسية وصور كبيرة لبوتين في الأسواق الشعبية وعلى بعض المباني الحكومية.
وفي قلب العاصمة، يقدم مركز ثقافي روسي أعيد تأهيله مؤخرا، دروسا في اللغة وورش عمل ومحاضرات، في وقت يبث فيه التلفزيون الرسمي السوري نشرة إخبارية يومية باللغة الروسية.
و في عام 2014، أضافت وزارة التعليم السورية إلى منهج المدارس اللغة الروسية كلغة أجنبية اختيارية ثانية بعد الإنجليزية أو الفرنسية.
وتضم كلية الآداب في جامعة دمشق كلية للغة الروسية، وتُدرس هذه اللغة في أكثر من مائة مدرسة بمختلف أنحاء سوريا.
ويندرج ذلك في إطار خطة القوة الناعمة التي تنتهجها روسيا "لاحتلال" سوريا واستغلال اقتصادها من خلال عملية إعادة توجيه ثقافية.
وقال الصحافي السوري محمد العبد الله، إن "روسيا تحاول أن تجعل سوريا، أو جزءا منها على الأقل، مستعمرة روسية بامتياز لا تتماهى مع البيئة المحيطة بسوريا والدول المجاورة".
وستضمن هذه السياسة بدورها حماية مصالح روسيا في سوريا، وعلى الأخص الموارد الطبيعية التي تمتلكها هذه الدولة الشرق أوسطية ومشاريع إعادة الإعمار التي برزت بعد الحرب.