سياسة

جهود روسية هزلية لتشويه صورة الدور الأميركي في سوريا

فريق عمل المشارق

آليات عسكرية روسية وتركية تجري دورية في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة السورية بالقرب من الحدود التركية في 16 أيلول/سبتمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]

آليات عسكرية روسية وتركية تجري دورية في ريف الرميلان بمحافظة الحسكة السورية بالقرب من الحدود التركية في 16 أيلول/سبتمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]

قال محللون إن اثنين من كبار المسؤولين الروس يحاولان تشويه صورة الولايات المتحدة على خلفية دورها في سوريا، وذلك في إطار حملة دعائية طرحت بعض المزاعم المثيرة للسخرية.

ففي تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية الروسية (تاس)، انتقد الفريق ستانيسلاف غادجيماغوميدوف نائب رئيس مديرية العمليات بالأركان العامة العقوبات الأميركية المفروضة على نظام بشار الأسد في سوريا.

وزعم أن العقوبات التي فرضت بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019 أدت إلى خفض مستوى المعيشة في سوريا وأثارت مخاوف الشركات، ومن بينها الشركات الروسية، إزاء المشاركة في "مشاريع مربحة".

كذلك، ادعى نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف أن القوات الروسية في سوريا لديها معلومات عن خطط استخبارية أميركية تهدف إلى حشد الخلايا النائمة المتشددة في سوريا.

لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر. [ميخائيل كليمنتييف/سبوتنك/وكالة الصحافة الفرنسية]

لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر. [ميخائيل كليمنتييف/سبوتنك/وكالة الصحافة الفرنسية]

وبحسب سيرومولوتوف الذي تم تناقل تصريحاته على نطاق واسع في وسائل الإعلام الرسمية الروسية والسورية، تخطط هذه الخلايا لتنفيذ هجمات على القوات السورية وعلى الجنود الروس والإيرانيين.

وزعم أن القوات الروسية في سوريا تتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها.

ولفت محللون إلى أن قانون قيصر وُضع لحماية المدنيين السوريين وضمان إحقاق العدالة ضد نظام الأسد الوحشي المدعوم من روسيا.

هذا ولا تبعد الولايات المتحدة كل البعد عن دعم الخلايا النائمة المتشددة في سوريا، بل أيضًا تعتبر القوة الدافعة وراء التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والذي قتل زعيمه في ضربة أميركية في مطلع الشهر الجاري.

دور روسيا المدمر

وأشار محللون إلى أن الحملة الروسية لتشويه صورة الدور الأميركي في سوريا تأتي في سياق مواجهة روسيا الحالية مع أوكرانيا، واصفين إياها بأنها مجرد طريقة جديدة لتصوير القوة الروسية في المنطقة.

وتزامنت الحملة أيضا مع زيارة قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لسوريا لإجراء محادثات مع الأسد وتفقد قاعدة حميميم الجوية التابعة لروسيا في غرب سوريا.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إن شويغو "أطلع الرئيس السوري على مناورات البحرية الروسية التي تجري شرقي المتوسط".

وذكرت الوزارة أن الجانبين بحثا أيضا "التعاون العسكري-الفني" والمساعدة الإنسانية الروسية للشعب السوري "الذي يعاني من عقوبات تثقل كاهله فرضتها الولايات المتحدة ودول الغرب".

وفي تقرير نشر خلال العام الجاري عن الأحداث التي شهدتها سوريا عام 2021، رسمت منظمة هيومان رايتس ووتش صورة مختلفة جدا عن الدور الروسي.

حيث لفت التقرير إلى أن الحصيلة الاقتصادية للحرب في سوريا بلغت 1.2 ترليون دولار مع حلول العام 2021.

وجاء في التقرير أن "التكاليف التي تم تكبدها يعود سببها بشكل أساسي إلى تدمير البنية التحتية وموجة النزوح العارمة التي تسبب بها عقد من الحروب حيث استخدمت أساليب محظورة، لا سيما من قبل التحالف العسكري السوري-الروسي.

وذكر التقرير أن "هيومان رايتس ووتش قررت أن بعض الهجمات التي نفذها هذا التحالف هي جرائم حرب وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".

وأشار التقرير إلى أن الأسد فاز في أيار/مايو الماضي بولاية رابعة كرئيس، وذلك "في انتخابات لم تجر وفق العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة وفشلت في الالتزام بمعايير الانتخابات الحرة والنزيهة".

وتابع أن "ولايته الرئاسية الممددة جاءت مع استمرار أجهزته الأمنية بإخضاع المئات، ومن بينهم لاجئون عائدون، للاعتقالات التعسفية والتعذيب، في حين يعاني الملايين من الجوع بسبب تحويل حكومته للمساعدات".

ʼحاجة ماسةʻ

وبحسب تقرير هيومان رايتس ووتش، "أصبح الانقطاع الدوري للسلع الأساسية، ومن بينها الخبز والوقود، أمرا اعتياديا، وتزايد عدد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية بنسبة 21 في المائة في العام 2021".

وبدوره، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 1.48 مليون شخص في سوريا هم في حالة عوز "كارثية".

وجاء في التقرير أن معدل التلقيح ضد كوفيد-19 بالكاد تجاوز عتبة الـ 1 في المائة، وأثيرت "مخاوف بشأن قدرة الحكومة على توزيع اللقاحات بصورة عادلة، حتى ضمن مناطق سيطرتها".

ولفتت هيومان رايتس ووتش إلى أنه في المناطق التي أعاد النظام السوري السيطرة عليها، لا يستطيع كثيرون تحمل كلفة إعادة الإعمار أو التأهيل ولا يوفر النظام أية مساعدات لإعادة الإعمار.

وتابعت أنه "بالتالي، يعيش الكثير من السكان في خيم عشوائية ويغلون الماء لشربه. إنهم غير قادرين على تحمل كلفة الإيجار في أي مكان آخر".

وفي هذا السياق، أشار تقرير جديد بعنوان "إنقاذ المساعدات في سوريا"، نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى تلاعب النظام السوري بالمساعدات على مدار أكثر من عقد.

وبحسب هذا التقرير، يتحكم النظام السوري بقبضة حديدية بإمكانية وصول المنظمات الإغاثية، لدرجة أنه أصبح من الشائع أن يتم توظيف أقارب كبار المسؤولين في النظام من قبل تلك المنظمات.

وقالت معدّة التقرير ناتاشا هول لصحيفة الغارديان إنه يندر وجود حالات "حيث أن شخصًا ارتكب أعمالًا وحشية جماعية للدرجة التي وصلت إليها حكومة الأسد يبقى في السلطة ويتحكم بالمنظومة الإغاثية".

ʼقصف عشوائيʻ

وفي منشور مدونة صدر في 20 كانون الثاني/يناير، أشار مدير برنامج مركز ويلسن للشرق الأوسط جيمس ف. جيفري، إلى "مكافحة [روسيا] للتمرد التي استخدمت فيها كل عناصر القوة" في سوريا، مما وضع حدا للمعارضة الشعبية.

وأبقت هذه السياسة الصارمة على سيطرة الأسد لسوريا ومكّنت نظامه الوحشي من الاستمرار.

وكتب جيفري أن "المقاربة الروسية شملت مرونة سياسية ودبلوماسية ذكية، ولكن تمثل الأساس فيها بوحشية فائقة، أي قصف عشوائي لمناطق المدنيين ليس فقط باعتبار ذلك أضرارا جانبية، بل كسياسية متعمدة أيضا".

وقال إن حملة القصف الروسية "تفوقت سريعا، ليس فقط عبر ترهيب من يدعمون المقاومة، بل أيضا عبر تدمير ملاجئهم ومصادر رزقهم من المواد الغذائية إلى الرعاية الصحية".

وأضاف أن "روسيا لم تلعب دورا مباشرا، بل غضت الطرف عن أكثر الأساليب وحشية التي استخدمها حلفاؤها السوريون والمدعومون من إيران"، وقد شمل ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائية والاعتقالات الجماعية والإعدام والتعذيب.

وتابع جيفري أن "روسيا دعمت كذلك استراتيجية الأسد الرامية إلى التطهير العرقي، مما زاد تكاليف المعارضة بالنسبة للمجتمع الدولي، إذ دفع الملايين، بل حتى نصف الشعب، إلى الفرار من منازلهم".

وفي تحليل أجري في 16 شباط/فبراير 2021، نظرت منى يعقوبيان، وهي من كبار المستشارين بالشأن السوري والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، في "اللعبة النهائية" لروسيا في سوريا.

وكتبت "في حين تدعي موسكو أنه من المهم استعادة وحدة الأراضي السورية بالكامل (...)، تقر اللعبة النهائية لروسيا باستمرار الجهات الخارجية النافذة ممارسة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد".

وأضافت "عوضا عن تحمل المخاطر والقيام بالاستثمار المهم والضروري لإخراج تلك القوى الأجنبية من سوريا، قامت روسيا بتطوير شراكة تآزر مع قوة واحدة هي تركيا، مع حصر معارضتها على تحقيقات استفزازية لقوة أخرى هي الولايات المتحدة".

وشرحت يعقوبيان أن السبب في ذلك هو أن القيود الكثيرة التي تواجهها روسيا، سواء في سوريا أو في الداخل الروسي، تحد من قدرتها على إظهار القوة القصوى.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500