إرهاب

الانهيار الاقتصادي في لبنان يرمي شباب الشمال في أحضان داعش

نهاد طوباليان

رجال لبنانيون يدخنون النرجيلة خلال استراحتهم خارج ورشة عملهم في زقاق بحي باب التبانة الفقير بمدينة طرابلس الشمالية، يوم 17 كانون الثاني/يناير. [جوزيف عيد/وكالة الصحافة الفرنسية]

رجال لبنانيون يدخنون النرجيلة خلال استراحتهم خارج ورشة عملهم في زقاق بحي باب التبانة الفقير بمدينة طرابلس الشمالية، يوم 17 كانون الثاني/يناير. [جوزيف عيد/وكالة الصحافة الفرنسية]

بيروت - استيقظ سكان مدينة طرابلس في شمال لبنان مؤخرا على نبأ مقتل عدد من شبابها في غارة جوية استهدفت يوم 29 كانون الثاني/يناير خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في محافظة ديالى العراقية.

وجاءت الغارة التي نفذتها القوات العراقية في منطقة جبلية بمحافظة ديالى كرد ظاهري على اقتحام عناصر داعش ثكنة عسكرية وقتلهم جنود عراقيين أثناء نومهم.

ومن بين الشبان اللبنانيين الذين قتلوا في الغارة، بكر سيف وابن عمه عمر سيف و3 من أصدقائه هم يوسف وعمر شخيدم وأنس جزار.

ويتحدر الشباب الخمسة من بلدة صغيرة وفقيرة قريبة من مدينة طرابلس.

أقامت بلدة وادي النحلة في قضاء طرابلس مجلس عزاء لعمر ويوسف شخيدم اللذين يظهران في هذه الصورة غير المؤرخة، بعد ورود أنباء عن مقتلهما في العراق. ويعتقد أنهما التحقا بصفوف داعش. [محمد سيف]

أقامت بلدة وادي النحلة في قضاء طرابلس مجلس عزاء لعمر ويوسف شخيدم اللذين يظهران في هذه الصورة غير المؤرخة، بعد ورود أنباء عن مقتلهما في العراق. ويعتقد أنهما التحقا بصفوف داعش. [محمد سيف]

أهالي قرية وادي النحلة في قضاء طرابلس يقيمون مجلس عزاء لعمر ويوسف شخيدم اللذين يعتقد أنهما قتلا في العراق بعد انضمامهما إلى داعش. [محمد سيف]

أهالي قرية وادي النحلة في قضاء طرابلس يقيمون مجلس عزاء لعمر ويوسف شخيدم اللذين يعتقد أنهما قتلا في العراق بعد انضمامهما إلى داعش. [محمد سيف]

وفي الأشهر الأخيرة، وردت تقارير في لبنان تحدثت عن اختفاء العشرات من الشباب بالمناطق الشمالية، ليظهروا لاحقا في العراق.

ويسود اعتقاد بأنهم انضموا إلى صفوف داعش.

شباب يغادرون لبنان خلسة

وفي حديثهم للمشارق، حمّل سياسيون وأقارب القتلى الانهيار الاقتصادي مسؤولية قرار هؤلاء الشباب بالانضمام إلى داعش، مشيرين إلى أن الأوضاع المعيشية في "حزام البؤس" بطرابلس ومحيطها وصلت إلى أدنى مستوياتها.

وأشاروا إلى أن هذا الواقع أنشأ أرضية خصبة للمسؤولين عن التجنيد في صفوف المتطرفين، علما أن هؤلاء يستغلون التوترات الطائفية والإحباط واليأس الناجمين عن الانهيار الاقتصادي لجذب الشباب للانضمام إلى صفوفهم.

وفي هذا الإطار، أوضح شقيق بكر سيف، محمود، في حديث للمشارق أن شقيقه "كان يستعد للزواج في 25 شباط/فبراير الجاري، لكنه اختفى بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر الفائت، وأبلغنا أنه محتجز لدى الأمن العام".

وقال إن العائلة كلفت محام لمتابعة قضيته، "ليصلنا [مؤخرا] تسجيل صوتي يقول إنه قتل بالعراق".

وتساءل "كيف لموقوف لدى الأجهزة [الأمنية] الوصول إلى العراق؟ لم نكن على علم بمغادرته لبنان ولو عرفنا ما سيحدث، لكنا منعناه".

ونفى محمود أن يكون وضع شقيقه المالي سببا لالتحاقه بداعش، "لأن وضعنا المادي كعائلة مريح".

وتابع "ثمة قصة لا نعرفها".

’حزام بؤس‘ في الشمال

وقال الصحافي محمد سيف للمشارق "فوجئنا كعائلة بمغادرة ابن عمي وابن عديلي إلى العراق، كما [بخبر] مقتلهما".

وأوضح أن بكر سيف دخل سجن رومية عندما كان في الـ 14 من العمر "بتهمة لم نعرفها حتى اليوم، وخرج منه بعد 7 سنوات وخطب صبية وأسس بيتا له وحدد موعدا لعرسه".

وأضاف "كان يتلقى قبل اختفائه تهديدات بالقتل".

وروى سيف أن 4 شباب من عائلة شخيدم كانوا يقيمون في وادي النحلة خلدوا للنوم في إحدى ليالي الشهر الماضي، لتستيقظ عائلاتهم في الصباح على اختفائهم.

وأضاف أن الأجهزة الأمنية أبلغت العائلات في ما بعد بأنهم في العراق وسوريا. وتأكد مقتل 2 من الشباب المفقودين في العراق (هما يوسف وعمر)، فيما لا يزال مصير الاثنين الباقيين مجهولا.

وتابع الصحافي "حتى اليوم لم نتأكد من مقتلهم، لكننا أقمنا لهم مجلس عزاء بحسب الشرع، وننتظر ما إذا سنُسلم جثثهم".

ورجح سيف أن يكون الانهيار الاقتصادي والظروف الصعبة السبب وراء "التغرير بهم للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة لقاء المال".

وقال إنه في "حزام البؤس" بطرابلس، يعيش الشباب محرومين من أدنى حقوقهم بالتعليم، "فيتم رميهم بأحضان محرضين يرمونهم في أحضان داعش".

وأشار إلى أن "المحرض يسيطر على الأرض في لبنان وسوريا والعراق، ويجند شبابنا للموت".

وبرأيه، تتحمل دار الفتوى مسؤولية كبرى في الوضع الراهن بسبب "عدم قيامها بواجباتها لجهة تنشئة الشباب على مفهوم الدين الصحيح".

وذكر أنها "تركت خطباء المساجد من غير المتعلمين يخطبون بلغة متشددة"، فيما الدولة متقاعسة عن واجب توفير فرص التعلم والعمل للشباب.

انهيار اقتصادي يفاقم الأوضاع

وبدوره، قال السياسي خلدون الشريف وأصله من طرابلس، إن من غادروا الشمال إلى العراق وسوريا لا يتجاوز عددهم الـ 50 شابا، وأغلبهم دون الثلاثين من عمرهم ويسكنون في أحياء فقيرة.

وكشف أن عددا منهم كان معتقلا طوال سنوات في سجن رومية "المعروف بتخريجه متطرفين ممن يشعرون بالظلم".

ورد الشريف التحاق هؤلاء الشباب بداعش لأسباب عدة، أهمها "الخوف من تكرار اعتقالهم".

وأضاف أن بعضهم يعتنق عقيدة متطرفة، فيما يواجه البعض الآخر ظروفا اقتصادية صعبة لا سيما أن نسبة الفقر في طرابلس والشمال كانت مرتفعة جدا قبل الانهيار وارتفعت أكثر بعد وقوعه.

ومن جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية فيوليت غزال البلعة إن لمنطقة طرابلس "حصة الأسد من معدل الفقر في لبنان، وتكاد تتجاوز الـ 70 في المائة".

ورأت أن غياب طرابلس عن اهتمامات الحكومة وبرامجها التنموية "قد يدفع بعض الشباب المعدم والقلق واليائس، للانخراط في أنشطة خطيرة تهدد مستقبلهم وحياتهم لقاء حفنة من الدولارات".

وقال مصدر متابع للأوضاع في طرابلس للمشارق، إنه سيكون مهما بالنسبة للبنان متابعة مسألة انتقال شباب شمالي البلاد إلى العراق، لمحاولة فهم أسبابها ومعرفة من يقف وراءها.

وأكد على ضرورة "دراسة الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب للالتحاق بتنظيم داعش في العراق وليس في البادية السورية الأقرب إلى لبنان، وكيفية اجتيازهم الحدود اللبنانية السورية والمناطق السورية التي تسيطر عليها ميليشيات متعددة لبلوغ العراق".

وشدد على وجوب ضبط الحدود "ومنع أي عنصر أو مواطن وخاصة ميليشيا حزب الله، من عبورها بشكل غير شرعي إلى سوريا، لأن فوضى المعابر الحدودية تجعل أي معالجة أمنية لهذه المسألة مستحيلة".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500