تتخذ وداد إبراهيم من منزلها الخاص في البلدة القديمة من الموصل مكانا لإعداد الأطعمة الجاهزة وبيعها لأصحاب المتاجر الصغيرة والمطاعم بمساعدة نساء أخريات من الحي، انضممن لها لكسب المال وإعالة أسرهن.
إبراهيم هي أرملة شهرتها أم شمس، وقالت للمشارق إنها بدأت مشروعها بعد فترة وجيزة من طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في أواخر 2017.
وأوضحت أن عملها تعثر في البداية نتيجة عدم عودة الكثير من السكان النازحين. فمنازلهم العديد منهم دمرت أثناء القتال، وحينها، قليل من المتجر أعاد فتح أبوابه.
وتذكر "كانت الحياة قد بدأت للتو بالعودة للموصل وبالأخص في الجانب الأيمن (الغربي) لكن ببطء شديد"، مشيرة إلى أن كل شيء من بيوت وشوارع كان ما يزال مدمرا وحركة التبضع كانت "ضعيفة جدا".
وتابعت أنه رغم هذه التحديات، "لم استسلم لخيبات الأمل واستطعت تخطيها (...). اليوم المشروع يوفر لي ولجيراني النساء مصدر دخل يساعدنا على سد تكاليف الحياة".
وتُعِد أم شمس ورفيقاتها قائمة من الأكلات الشعبية الشهيرة، ومنها الكبة الموصلية واللحم بعجين والقوزي بالإضافة للمخبوزات وبعض أنواع الحلويات.
وتوضح "سابقا كنت لا أبيع سوى القليل من صحون الطعام أما الآن فهناك طلبات كثيرة من المحال وحتى المطاعم الصغيرة على منتجاتنا".
ولفتت إلى أن عودة النشاط التجاري للموصل والحياة العامة لطبيعتها ساعد على إنعاش العديد من الأعمال الصغيرة وبالتالي توفير المزيد من فرص العمل.
وبعد مقتل زوجها على أيدي المتطرفين عام 2011، تولت أم شمس المسؤولية الكاملة عن رعاية بناتها الأربع.
وأكدت إنها تأمل في افتتاح مطعم صغير يوفر دخلا لها وللمزيد من النساء اللاتي في حال مماثلة لحالها.
توفير الوظائف والتدريب المهني
ومنذ طرد داعش من الموصل، يكافح أهالي المدينة من أجل الوقوف على أرجلهم مجددا بمساعدة الحكومة المحلية ومبادرات من منظمات تطوعية.
ومن بين تلك المنظمات "رابطة المرأة العراقية" التي وفرت الوظائف والتدريب المهني للمئات من النساء في الموصل ونينوى.
وذكرت سكرتيرة المنظمة سميرة عابد هرمز للمشارق، أن منظمتها تقيم منذ سنوات دورات وورش تدريب للنساء.
وتتضمن هذه الدورات مجالات عديدة كتعليم الطبخ وعمل المعجنات والخياطة والحلاقة وحتى تعلم مهارات السياقة.
وأضافت أنه بالإضافة إلى توفير التدريب، "نوفر أيضا الدعم للنساء لفتح مشاريعهن الصغيرة كتقديم ماكينات الخياطة ومستلزمات صالونات الحلاقة".
وأوضحت أن المنظمة تقدم العون أيضا للنساء في عملية تسويق منتجاتهن في الأسواق المحلية، من المشغولات اليدوية والملابس والصناعات الغذائية .
وكان قد أعيد تأهيل الكثير من هذه الأسواق كسوق النبي يونس وباب السراي والزهور التي تكتظ حاليا بالمتبضعين.
جهود إعادة بناء المنازل
وأعاد عدد من الحرفيين افتتاح محلاتهم.
ففي حديثه للمشارق، قال محمد النعيمي الذي يعمل في تصنيع أدوات مختلفة يدويا في سوق الحدادين، إنه أعاد قبل عامين فتح محله بعد أن قام بإصلاحه بنفسه.
وأضاف أنه عاد لمزاولة مهنة الحدادة التي ورثها عن أبيه وجده بعد اضطراره لتركها نتيجة نزوحه خارج الموصل عقب هجوم المتطرفين.
وتابع أنه بعد البداية البطيئة، ازداد الطلب على أدوات الحفر والمعاول والشبابيك والأبواب، "وهذا بحد ذاته مؤشر على نشاط الأهالي في إعادة بناء بيوتهم".
ووفق معاون محافظ نينوى لشؤون الإعمار، رعد العباسي، فإن لدى الإدارة المحلية أكثر من 700 مشروع قيد التنفيذ ضمن خطة إعمار الموصل وباقي مدن نينوى.
وقال للمشارق إن هذه المشاريع توفر الآلاف من فرص العمل للسكان المحليين في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات البلدية.
وأضاف أن العمل جار على فتح وتوسعة شوارع في الموصل وتأهيل مداخل المدينة والأحياء السكنية.
وأشار إلى أن بلدية الموصل تقوم بتنفيذ 220 مشروعا على صلة بالخدمات البلدية وإعمار البنى التحتية في قطاعي الماء والمياه الثقيلة.
كما يتم استكمال عمليات تأهيل جسور المدينة كالجسر الموازي للجسر الحجري ومجسر الفلاح وإنشاء مستشفى جديد للولادة في المدينة بسعة 200 سرير.
مساعدات محلية ودولية
وتساعد منظمات محلية ودولية أهالي الموصل في العودة لحياتهم الطبيعية، بعد أن مر بعضهم بتجربة النزوح، وذلك بتقديم أنواع مختلفة من الدعم والإغاثة.
وبهذا الصدد، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إصلاح مشروعات البنية التحية الحرجة بالاستفادة من الخبرات والمهارات المحلية.
وساعدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في إعادة تأهيل عدة مشاريع خدمية كمحطة كهرباء حي باب الشام بالموصل، والتي أدى تشغيلها إلى إمداد منازل ومتاجر في الحي بالطاقة.
وتعمل ناشطات نسويات، وبينهن نائب رئيس ملتقى نساء الأقليات بان نجيب ميخا، على تنظيم مهرجانات لاحتضان مواهب نساء الموصل بدعم من الأمم المتحدة.
وقالت ميخا "نظّمنا بازارات (معارض) في الموصل وفي بلدات محيطة لتتمكن النساء وبالأخص النازحات والناجيات من داعش في إظهار إبداعاتهن بالرسم والأعمال الحرفية".
وأضافت أن أنشطة مثل هذه تعطي النساء "الفرصة لطي صفحة الإرهاب".
وتابعت "كذلك نظّمنا ورش للتوعية بالحقوق العامة وبناء السلام المجتمعي وتعضيد الروابط بين مكونات نينوى. وفي شهر آذار/مارس المقبل، سنقيم مهرجانا للسلام في بلدة النمرود".
وتعمل الحكومة العراقية منذ بضع سنوات على إعادة تأهيل بلدة النمرود الأثرية التي حولها تنظيم داعش إلى حطام.
ونمرود التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كانت عاصمة للإمبراطورية الآشورية.