ذكرت تقارير إعلامية وخبراء أن الحرس الثوري الإيراني يعتمد على شبكة من القراصنة والبحارة المغرر بهم في منطقة الخليج لتهريب الأسلحة والوقود والمخدرات.
وعمدت بعض شركات الشحن الإيرانية إلى التغرير بعدد كبير من البحارة الهنود، وأجبرتهم على العمل غالبا بأجر ضئيل أو بدون أجر في ظروف خطيرة تشمل نقل المخدرات والبضائع التي تخضع لعقوبات دولية.
وأفادت صحيفة واشنطن بوست في كانون الثاني/يناير الماضي، أن المجنِدين يستدرجون الآلاف سنويا إلى إيران بعد إغرائهم باكتساب الخبرة والحصول على رواتب جيدة عبر العمل على متن سفن عريقة ووعدهم في غالب الأحيان بتنفيذ مهمات في دول أخرى من الشرق الأوسط.
ولكن بدلا من ذلك واستنادا إلى شهادات أكثر من عشرين رجلا تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير، يرسلون إلى إيران ويجبرون على الإبحار ليعملوا فوق طاقتهم ويحرموا من الطعام الكافي، ويضطرون في بعض الأحيان مكرهين على نقل المخدرات والبضائع الخاضعة للعقوبات.
وقال البحار المتدرب من دلهي أشكاي كومار، 24 عاما، "إنهم يستدرجون البحارة للعمل بدون راتب. إنه فخ كبير كامل متكامل. لقد أجبرونا على العمل كعبيد".
وبدوره، كشف بحار هندي يبلغ من العمر 28 عاما وقال إنه عمل بين عامي 2016 و2020 لدى شركتين متورطتين في تهريب الديزل الإيراني، أن الناقلات التي تحمل الوقود ترسو دائما في المياه الدولية التي تفصل بين إيران والإمارات.
وأضاف "تنتهي المياه الإقليمية لدولة الإمارات بعد 12 ميلا، لذا تقترب السفن الإيرانية إلى حدود 14 إلى 20 ميلا من الإمارات". وتابع "تعمد بعد ذلك إلى وقف نظام التعرف الآلي الخاص بها حتى يتعذر تعقبها. وإذا رأت خفر السواحل الإماراتي، توقف العملية وتلوذ بالفرار".
وعادة تتم عمليات النقل السرية ليلا لتجنب اكتشافها. فترسو السفن خارج الحدود الإقليمية للإمارات، ثم تنقل القوارب الصغيرة الواحد تلو الآخر حمولتها من الديزل الإيراني المهرب إلى السفن المنتظرة.
وأوضح بحار هندي يبلغ من العمر 27 عاما وكان يعمل لدى شركة شحن مقرها دبي كانت تهرب الوقود الإيراني إلى الصومال، أن "العملية تستغرق بين 4 و5 أيام لأن القوارب تأتي الواحد تلو الآخر".
ووفقا للتقرير وبالإضافة إلى عمليات النقل ليلا في البحر، يتم تصدير الديزل الإيراني المتجه للأسواق الدولية على ناقلات تبحر من إيران وهي مزودة بأوراق مزورة حول منشأ الشحنة لتبدو وكأنها من العراق أو الإمارات.
وبحسب محللين في مجال الطاقة والأمن الإقليمي، يشارك في عمليات التهريب عناصر من الدولة الإيرانية ولا سيما من الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى شركات شحن خاصة مقرها دول الخليج.
وقد اتهمت وزارة الخزانة الأميركية إيران ببيع نفطها بشكل غير قانوني وعمدت في السنوات الأخيرة إلى فرض عقوبات على قطاع النفط الإيراني.
التعاون مع القراصنة
وفي هذه الأثناء، يتحول القراصنة والمهربون الذين تضرروا من الحملة الأمنية على الممرات المائية في المنطقة، أكثر فأكثر إلى إيران لتعويض خسائرهم.
فقال الضابط السابق في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بشرطة دبي راشد محمد المري، "إن منطقة الخليج العربي وبحر العرب تشتهد مثلها مثل جميع الممرات المائية العالمية عمليات التهريب والقرصنة، بسبب العدد الكبير للسفن العابرة بالإضافة إلى عدد الدول التي من الممكن الوصول إليها عبر المياه الإقليمية المشتركة".
وتابع "لكن التوترات الأمنية دفعت دول العالم إلى التعاون مع دول المنطقة لتأمين المنطقة ووقف تلك العمليات غير الشرعية".
وأكد أن "ذلك أضر بأرباح القراصنة والمهربين وأصبحوا يفتشون عن أي مصدر بديل للمال".
وأشار المري إلى أن الحري الثوري استغل هذا الوضع.
وأوضح "بات القراصنة والمهربون أدوات بيده لنقل الأسلحة إلى أذرعه المنتشرة في المنطقة. واستطاع الحرس تجنيد القراصنة والمهربين للعمل لحسابه من خلال إغداق الأموال عليهم لقاء العمليات التي يقومون بها".
وأكد أن "لا هم [لدى القراصنة] إلا الربح المادي بغض النظر عن النتائج المترتبة على العمليات التي يقومون بها".
وشدد المري على أن استمرار عمليات تهريب الأسلحة والسلع غير المشروعة من قبل الحرس الثوري الإيراني ووكلائه يؤجج التوترات في المنطقة ويمكّن العمليات الإرهابية.
ولفت في هذا السياق إلى نقل الأسلحة للجماعات الإرهابية في الصومال.
وأوضح أن "حركة الشباب الإرهابية زُودت بأسلحة إيرانية عن طريق اليمن، مما يدل على خطورة عمليات [التهريب] هذه وضرورة القضاء عليها".
طرق التهريب
أما الخبير العسكري السعودي منصور الشهري، فقال إن عمليات التهريب تتم عادة "بواسطة القوارب الخشبية الصغيرة وهي القوارب المستعملة في عمليات الصيد والتي غالبا ما تكون من دون أوراق رسمية و[تتنقل] من دون جهاز لتحديد المواقع".
وأوضح أنه مع اقتراب السفن من الشاطئ، "يتم نقل الأسلحة والمواد المهربة إلى زوارق أصغر حجما للانتقال بها إلى الشاطئ، وأحيانا ترسو هذه القوارب في الموانئ الصغيرة".
وأشار إلى أن المهربين قد يستخدمون أيضا قوارب شراعية كبيرة نسبيا تعرف باسم "جلبوت".
وأضاف أن الأسلحة غالبا ما "يتم إخفاؤها في غرف مخفية ويتم تزويد المراكب ببضائع مختلفة للتمويه".
وكشف الشهري أن البضائع المهربة تشمل "البنادق العسكرية من مختلف الأنواع والقنابل والقذائف وقاذفات القنابل الصاروخية وأخرى مضادة للدبابات وتكنولوجيا خاصة بالطائرات المسيرة التي يتم تفخيخها وقطع مخصصة للصواريخ المتوسطة المدى، بالاضافة إلى... كافة أنواع الذخائر".
ولفت إلى أن العمليات المنفذة لوقف هذه الشحنات والبلاغات التي قدمتها مصادر مختلفة ولا سيما المدنيين، ساعدت في الكشف عن أساليب التهريب وتكتيكاته ومنع الهجمات الإرهابية.
وفي هذا السياق، قالت الصحافية اليمنية المقيمة في القاهرة منى محمد، إن المهربين والقراصنة يستخدمون العديد من الطرق، بما في ذلك مسارات قبالة سواحل عُمان واليمن.
وأضافت أنه "يتم استغلال سواحل الصومال [من خلال] الحدود [البحرية] المشتركة بين اليمن والصومال".
وثمة طريق آخر يبدأ من ميناء جاسك جنوبي شرقي إيران ويمر عبر مضيق باب المندب، بحسب محمد.
وختمت بالقول إنه "غالبا ما يتم شحن [الأسلحة] إلى الساحل الجنوبي لليمن وموانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ونشطون في المهرة وحضرموت، وغالبا ما تتم عمليات التفريغ إلى القوارب الصغيرة في المياه الصومالية خاصة قبالة منطقة بوصاصو والمياه العمانية".