ظهر في الأسابيع الأخيرة إلى العلن تحدي عصائب أهل الحق للإرادة الإيرانية قولا وفعلا، مما كشف عن الانقسام المتزايد بين الميليشيات العراقية المدعومة من إيران والتي تشكل "محور المقاومة" المزعوم والنظام الإيراني.
وفي مقابلة أجريت في 20 كانون الثاني/يناير مع محطة البي.بي.سي الفارسية، تحدث قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي بصورة علنية عن التوترات والخلافات بين النظام الإيراني ووكلائه العراقيين، ومن بينهم الجماعة المسلحة التي يتزعمها.
وقال محللون إن رد إيران على هجوم صاروخي استهدف مطار بغداد يوم الجمعة، 28 كانون الثاني/يناير، جاء كمؤشر جديد على التغيير السلبي الذي طرأ على العلاقة بين إيران ووكلائها العراقيين.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن 6 صواريخ أطلقت يوم الجمعة على مطار بغداد وألحقت أضرارا بمدرج وطائرتين مدنيتين دون أن تؤدي إلى وقوع إصابات في الأرواح.
ويعد هذا الهجوم الأحدث في سلسلة من الهجمات ألقيت اللائمة بها على الميليشيات التابعة لإيران، على الرغم من عدم إعلان أي جهة فورا مسؤوليتها عنه.
ويوم السبت، نددت وزارة الخارجية الإيرانية بالهجوم ووصفته بأنه عمل يهدف إلى "زعزعة استقرار" العراق.
وقال المتحدث باسم الوزارة سعيد خطيب زاده، إن "مثل هذه الأعمال المشبوهة تخلق حالة من عدم الأمن والاضطراب في العراق، وتمهد الطريق أمام مثيري الفتنة والمسلحين وتؤثر على الخدمات الحكومية للمواطنين العراقيين".
وسقطت الصواريخ في محيط منشآت مدنية في المطار وألحقت أضرارا بطائرة بوينج 767 متوقفة عن العمل وتابعة للخطوط الجوية العراقية المملوكة من الدولة.
ودفع الهجوم الخطوط الجوية الكويتية إلى تعليق رحلاتها إلى العراق.
واشتكى الخزعلي لمحطة البي.بي.سي قائلا إنه بعد مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، أجريت "تغييرات خطيرة" على دعم إيران لما يسمى بـ "قوات المقاومة".
ولم يكن رد خطيب زاده في 24 كانون الثاني/يناير بأن إيران "كانت وما تزال تدعم المقاومة وتقف إلى جانبها"، كافيا لوقف التوترات المتصاعدة مع وكلاء إيران، كما أظهره الهجوم على المطار.
ميليشيات أصبحت مارقة
وقال الخبير الاستراتيجي علاء النشوع للمشارق إن الميليشيات التابعة لإيران تبدو "مصممة" على إغراق العراق في الفوضى، بعد سلسلة الهجمات الأخيرة التي شنتها بالصواريخ والطائرات المسيرة على المنطقة الخضراء ومطار بغداد والقواعد العراقية.
وتابع أن الميليشيات "تلمح وتهدد" بجر العراق إلى فتنة داخلية، وهو ما يبدو أنه يتعارض مع توجهات إيران مع مطالبة النظام الإيراني وكلائه بتقبل الوضع الراهن وعدم التصعيد.
وأوضح أن النظام الإيراني يعتقد أن الوضع في العراق بات خارج نطاق السيطرة، الأمر الذي لا يخدم أجندة إيران ويعرّض مصالحها للخطر.
وفي مؤشر آخر على تمرد الميليشيات على توجيهات إيران بعدم التصعيد، كرر الخزعلي تهديداته للقوات الأميركية متعهدا بشن "حرب مفتوحة" ضدها إذا ردت على الهجمات في العراق.
واعتبر النشوع ذلك "تحديا ضعيفا"، لافتا إلى أن الميليشيات "أصغر بكثير من أن تهدد دولة عظمى كالولايات المتحدة".
لكنه شدد على أن عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والميليشيات الأخرى ما زالت "أذرع إيرانية وهناك مستشارون إيرانيون يقدمون لها السلاح والخبرات الضرورية لتصنيعه".
وأشار إلى وجود مصانع في منطقة الوزيرية ببغداد وفي بلدة جرف الصخر على أطراف العاصمة، حيث يتم تجميع الطائرات المسيرة التي تستخدم لمهاجمة المصالح الدولية في العراق.
وأضاف النشوع أن إيران تواصل أيضا إمداد وكلائها العراقيين بالصواريخ.
تزايد الانقسامات
وفي مقابلته مع البي.بي.سي الفارسية، تفاخر الخزعلي بأن مجموعات "المقاومة" باتت اليوم قادرة على تصنيع الأسلحة بنفسها وخاصة الطائرات بدون طيار.
وزعم أنه "إذا قرر قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني يوما ما قطع الدعم إن وجد، فلن يؤثر ذلك على قدرات الفصائل".
وقال المحلل السياسي أحمد شوقي، إن تصريحات الخزعلي تكشف مدى اتساع الخلاف بين الميليشيات العراقية وإيران، وأن إيران بدأت تفقد السيطرة على وكلائها بالتزامن مع تراجع ولائهم لها.
وأضاف أن ذلك يعد "اعترافا ضمنيا بأن إيران هي من تسلح تلك الجماعات وتجهزها بالمسيرات لتنفيذ الهجمات في التوقيتات والأهداف التي تحددها [إيران] وليس الوكلاء".
وتابع أن تصريحات الخزعلي تشير أيضا إلى وجود "مصانع أسلحة وطائرات مسيرة" تابعة للميليشيات، في انتهاك صريح للسيادة العراقية إذ أن التصنيع يتم خارج إطار الدولة.
وذكر أنه كما أوضحه الخزعلي، فإن الميليشيات ستواصل تصعيد هجماتها ضد العراقيين بحجة استهداف القوات الأميركية، علما أن هذه الأخيرة أنهت رسميا عملياتها القتالية في العراق.
وقال شوقي إن الهجمات الأخيرة هي رسائل تحذيرية من الميليشيات تشير إلى استعدادها لقلب الطاولة على الجميع إذا استبعدت من الحياة السياسية وعملية صنع القرار.
تداعيات الانتخابات
وفي صفعة أخرى لإيران، قال الخزعلي إن التهاني التي قدمها رئيس البرلمان الإيراني لنظيره العراقي محمد الحلبوسي بعد انتخابه "لن تغير موقفهم الرافض لنتائج الانتخابات".
وتواصل عصائب أهل الحق والجناح السياسي لقوات الحشد الشعبي أي تحالف فتح، الإصرار على أن انتخابات 10 تشرين الأول/أكتوبر قد شابها التزوير والتلاعب، حتى بعد أن رحبت بها طهران رسميا.
وتعرضت الأحزاب السياسية التابعة لإيران لهزيمة مدوية في الانتخابات وسرعان ما تحركت للطعن في نتائجها. ولكن صدقت المحكمة العليا عليها في كانون الأول/ديسمبر، ورفضت في 25 كانون الثاني/يناير الطعون التي قدمتها الميليشيات.
وقال محللون إن الكتلة السياسية التي يقودها خصم الخزعلي، مقتدى الصدر، تتجه نحو تشكيل ائتلاف مع السنة والأكراد، الأمر الذي من شأنه تقويض أنشطة الميليشيات المتحالفة مع إيران.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن سلسلة من الهجمات بالقنابل اليدوية التحذيرية استهدفت في الأيام الأخيرة النواب السنة والأكراد.
فألقى مهاجمون مجهولون قنابل يدوية على أهداف كردية وسنية بينها مكاتب لأحزاب سياسية ومنزل أحد النواب، وجميعهم من الذين يمكن أن يساعدوا الصدر على الفوز بالأكثرية البرلمانية التي تسمح له بتولي منصب رئيس الوزراء.
وقال الخبير السياسي إحسان الشمري "إنها وسيلة لمعاقبة القوى المتحالفة مع مقتدى الصدر لتشكيل أكثرية برلمانية".
وأضاف أن "رسالتهم سياسية"، واصفا الهجمات بأنها "جزء من أسلوب الضغط السياسي" الذي تتبعه بعض الجماعات.