بيروت - تشهد العلاقات بين الحزب السياسي المسيحي الذي أسسه الرئيس ميشال عون، التيار الوطني الحر، وحليفيه السياسيين حزب الله وحركة أمل تصاعدا في حدة التوتر.
وظهرت التوترات الكامنة منذ فترة طويلة بين التيار الوطني الحر وما يسمى بـ "الثنائي الشيعي" إلى العلن في 2 كانون الثاني/يناير، عندما انقلب رئيس التيار وصهر الرئيس عون، جبران باسيل، على حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
ففي خطاب متلفز، هدد باسيل بقطع تحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله، وانتقد الحزب المدعوم من إيران على سلاحه وتعطيله مؤخرا لاجتماعات مجلس الوزراء.
وردا على هجوم باسيل الكلامي، قال أمين عام حزب الله حسن نصر الله في اليوم التالي، إنه حريص على الالتزام باتفاق مار مخايل الموقع في 6 شباط/فبراير 2006 والذي يقوم عليه تحالفهما، كما إنه ملتزم بتطويره.
ووقع عون ونصر الله الاتفاق الهادف إلى معالجة قضايا مثل بناء الدولة ومكافحة الفساد وإرساء قضاء مستقل.
وقال باسيل خلال المؤتمر "اخترنا تفاهم مار مخايل على الطيونة"، في إشارة إلى الاشتباكات التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر عندما اقتحم عناصر من حزب الله وحركة أمل حيا مسيحيا في بيروت.
واندلعت الاشتباكات التي أدت إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة أكثر من 30 آخرين، في ظل تجمع لحزب الله/حركة أمل للمطالبة بإقالة القاضي الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في آب/أغسطس 2020، طارق البيطار.
تحالف هش
وأشار باسيل إلى أن حزبه متمسك بالثنائي الشيعي بدل الانحياز إلى حزب القوات اللبنانية المسيحي الذي شارك في حادثة الطيونة.
وأضاف "وما زلنا مع هذا الخيار، ولكن أين الترجمة العملية لاتفاقية مار مخايل؟ أين بناء الدولة؟ هل يمكن أن يحدث ذلك من خلال تغطية الفساد؟".
وتابع "حاولنا تطوير وثيقة تفاهم [مار مخايل] في الغرف المغلقة لأننا لا نريد إلغاءها، لكنها لم تعد تصلح لمواجهة تحدياتنا".
يُذكر أنه كان بين التيار الوطني الحر وحزب الله خلافات وتباينات متكررة.
ففي شباط/فبراير من العام الماضي، أعلن التيار الوطني الحر أن تفاهمه مع حزب الله لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون.
وفي تموز/يوليو الفائت، حذر باسيل قائلا إن "وجود سلاح غير سلاح الجيش أمر ليس طبيعيا، وهذا الوضع استثنائي يجب ألا يستمر".
وفي الأسابيع الأخيرة، احتدم الخلاف بين الطرفين.
وجاء ذلك بعد تعطيل حزب الله وحركة أمل جلسات مجلس الوزراء مدة 3 أشهر اعتراضا على البيطار، ما عطل عمل الحكومة.
(يذكر أن الثنائي الشيعي أعلن في بيان مشترك يوم السبت، 15 كانون الثاني/يناير، أنه مستعد للعودة إلى اجتماعات مجلس الوزراء).
وهناك خلافات أيضا حول قانون الانتخابات، خصوصا بعد أن قدم باسيل طعنا على تعديل برلماني من شأنه أن يسمح للمغتربين بإدلاء أصواتهم لـ 128 نائبا في انتخابات 2022 بدلا من 6 فقط.
ورفض المجلس الدستوري إصدار حكم في الطعن، ما اعتبره باسيل "قرارا سياسيا واضحا من قبل نظام" يقوده حزب الله وحركة أمل.
’تباينات عديدة تسود‘
وفي هذا السياق، رأى عضو تكتل لبنان القوي النائب آلان عون أن "تباينات عديدة تسود علاقتنا [كتيار وطني حر] بالثنائي الشيعي".
وعزا ذلك في حديثه للمشارق إلى كون الثنائي "فريقا واحدا يأخذ قرارا واحدا في مجمل الملفات المطروحة".
واعتبر أن ذلك "سبّب ندوبا في علاقتنا بحزب الله ظهرت بمحطات عدة"، أبرزها تعطيل الحزب لعمل الحكومة والفشل في إصدار حكم بشأن التعديل الانتخابي والمطالبة بقبع البيطار.
وأردف "هذه المشاكل وغيرها من الملفات الحساسة ارتدت سلبا على العلاقة بيننا".
وتابع "كان الأجدر بالثنائي الشيعي حل هذه المشاكل دون أخذ الحكومة رهينة".
وشدد عون على أن حزب الله كفريق سياسي "يتحمل مسؤولية مشاكل لبنان وما بلغه من انهيار وكوارث لا تعد"، بسبب فشله في إيجاد الحلول لها من خلال التوافق الوطني.
وأضاف "تبين أن لا أحد على مستوى المعالجة [هذه المشاكل]، ومواقف الحزب وأداؤه يزيدان الأمور تعقيدا".
’خلاف جذري‘
ووفق الكاتب والمحلل السياسي جورج شاهين، "ثمة خلاف اساسي بين التيار الوطني الحر وحزب الله حول ملفات عديدة تتعلق مجملها بعدم تطبيق ما جرى الاتفاق عليه ضمن تفاهم مار مخايل".
وكشف للمشارق أن بعض التقارير أفادت عن عقد الطرفين مؤخرا سلسلة من الاجتماعات بهدف "تطوير" ورقة التفاهم.
ورأى أن الخلاف الأساسي هو "بين التيار الوطني الحر ورئيس مجلس النواب نبيه بري حليف حزب الله. وهو ليس خافيا على أحد، والجميع يدرك أن لا علاقات طبيعية بين الطرفين".
وأوضح شاهين أن بين بري والتيار الوطني الحر الكثير من الإشكالات، تبدأ باتهام باسيل بري بالفساد ولا تنتهي عند قضية القاضي البيطار.
ولكن توقع شاهين "ألا يخرج هجوم باسيل على حزب الله والتهديد بفك تحالفه [مع الحزب] عن الإطار الكلامي".
وتابع "سينتهي الأمر بأن يدعم حزب الله التيار بالانتخابات النيابية، ليس محبة بالتيار وإنما للحفاظ على الوضع الراهن".
مناورات سياسية
من جهته، لفت المحلل السياسي طوني عيسى في حديثه للمشارق إلى أن باسيل وعون يقومان من وقت لآخر بالإيحاء بوجود تباينات بين التيار الوطني الحر وحزب الله.
ولكنه أشار إلى أنها "المرة الأولى التي يتطرق باسيل بصراحة لوثيقة تفاهم [مار ميخايل] لإظهار أن التباعد بينهما غير مستبعد، وأن المرحلة المقبلة ستشهد ممارسات سياسية أكثر استقلالية".
واعتبر عيسى أن كلام باسيل هو مجرد مناورة سياسية لتحسين صورته قبيل الانتخابات النيابية المقبلة، "ليصبح مقبولا أكثر من الرأي العام اللبناني والعربي والدولي".
وقد يكون ذلك أيضا وفقا له، رسالة للولايات المتحدة "لترفع عنه العقوبات بحجة أنه لم يعد في الخندق نفسه مع حزب الله".