كوبلنز -- أصدرت محكمة ألمانية يوم الخميس، 13 كانون الأول/ديسمبر، حكما بالسجن مدى الحياة بحق عقيد سوري سابق بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في حكم "تاريخي" يمثل نهاية أول محاكمة عالمية للتعذيب الذي ترعاه الدولة في سوريا.
وأدين رسلان بالإشراف على مقتل 27 محتجزا في مركز الخطيب للاحتجاز في دمشق، الذي يعرف أيضا بـ "الفرع 251"، في عاميّ 2011 و2012.
وكان قد لجأ إلى ألمانيا بعدما انشق عن النظام السوري عام 2012.
ووجه ممثلو الادعاء إليه تهما بالإشراف على قتل 58 شخصا وتعذيب 4000 آخرين في المركز ، لكن لم يتسن التثبت من حدوث كل الوفيات التي أبلغ عنها.
وقالت القاضية التي ترأست الجلسة، أن كربر، إن النظام السوري لجأ إلى "العنف" و"الاستخدام المكثف للذخائر" لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في آذار/مارس 2011.
وأضافت أن الضحايا الذين احتجزوا في مراكز الاعتقال التابعة للنظام لم يتعرضوا فقط "للتعذيب، ولكن أيضا للتجويع والحرمان من الهواء" في زنازين غير صحية ومكتظة حيث لم يكن بوسعهم الجلوس أو الاستلقاء.
وقد وصف كينيث روث من منظمة هيومان رايتس ووتش الحكم بأنه "تاريخي حقًا"، وكانت المنظمة قد قدمت بعض الأدلة المستخدمة في المحاكمة.
'تعذيب ممنهج'
بدوره، قال رئيس منظمة العفو الدولية في ألمانيا، ماركوس ن. بيكو، إن "المحكمة ... أثبتت على نحو واضح ورسمي وجود ظروف احتجاز غير إنسانية وتعذيب ممنهج وعنف جنسي وعمليات قتل في سوريا".
وقدم أكثر من 80 شاهدا شهاداتهم أثناء المحاكمة، بينهم 12 منشقا عن النظام والكثير من السوريين والسوريات الذين يعيشون الآن في أنحاء مختلفة من أوروبا، فيما حضر نحو 12 آخرين جلسة صدور الحكم.
وقالت القاضية كربر إنهم يستحقون "كل الاحترام".
واحتشد النشطاء السوريون خارج المحكمة يوم الخميس وهم يحملون لافتات وملصقات تحمل شعارات "أين هم؟" في إشارة إلى أقاربهم الذين اختفوا في مراكز الاحتجاز السورية.
وكان رسلان قد قدم للمحاكمة في نيسان/أبريل 2020 إلى جانب متهم آخر من رتبة أقل، هو إياد الغريب، الذي اتهم بالمساعدة في توقيف المحتجين وتسليمهم إلى مركز الاحتجاز.
وحُكم على غريب بالسجن لأربعة سنوات ونصف في العام الماضي للتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وذلك في أول حكم صدر على مستوى العالم بشأن التعذيب الذي تمارسه حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
ورفعت القضية ضد الرجلين باستخدام المبدأ القانوني حول الولاية القضائية العالمية الذي يسمح بملاحقة الجرائم حتى لو ارتكبت في بلد مختلف.
وظهرت قضايا أخرى في ألمانيا وفرنسا والسويد، مع تحول السوريين الذين لجئوا إلى أوروبا إلى الوسيلة القانونية الوحيدة المتاحة لهم.
وفي قضية بارزة أخرى في ألمانيا، من المقرر أن تفتتح الأسبوع المقبل محاكمة طبيب سوري سابق متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وقال بيكو من منظمة العفو الدولية إنه يتوقع "أن تستفيد محاكمات أخرى في ألمانيا ودول أخرى من هذه النتائج وفقا لمبدأ الولاية القضائية العالمية".
وبقي رسلان دون حراك مع تلاوة الحكم في المحكمة، وكان يرتدي سترة شتوية خضراء ويستمع للحكم من خلال سماعات رأس.
محاكمة مهمة للسوريين
وقال ممثلو الادعاء إنه أشرف في السجن على جرائم الاغتصاب والانتهاكات الجنسية و'الصدمات الكهربائية' والضرب بـ 'القبضات والأسلاك والسياط' و'الحرمان من النوم'.
وتحدث الشهود عن تعرضهم للضرب بالسياط والصدمات الكهربائية وحروق السجائر والضرب على الأعضاء التناسلية. وقال بعضهم إنهم عُلقوا من معاصمهم في حين كانت أطراف أقدامهم تكاد أن تلمس الأرض.
وشهد رجل عن المقابر الجماعية، وكان مسؤولا عن التسجيلات فيها.
وفي حديث لوكالة الصحافة الفرنسية قال محتجز سابق شهد في المحاكمة يدعى وسيم مقداد قبيل صدور الحكم، "آمل أن نكون قد استطعنا التعبير عن صوت الذين حرموا من ذلك".
واستخدمت صور لسوريين موتى كأدلة في المحاكمة، هربها إلى خارج البلاد مصور عسكري سوري سابق يعرف باسمه المستعار "قيصر".
وتظهر بعض الصور التي التقطها قيصر داخل سجون الأسد جثث سجناء مشوهة مع أرقام كتبت على جباههم.
ولمحاسبة النظام السوري على هذه الجرائم وغيرها، مررت الحكومة الأميركية قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لسنة 2019، والذي بدأ سريان مفعوله اعتبارا من حزيران/يونيو 2020.
هذا ولم يحاول رسلان أبدا إخفاء ماضيه وأبلغ الشرطة عن حياته في سوريا في شباط/فبراير 2015 حين سعى للحصول على حماية الشرطة في برلين.
ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل 60 ألف شخص على الأقل تحت التعذيب أو نتيجة للظروف الشنيعة في مراكز الاحتجاز التابعة للأسد.
وقالت المحامية السورية جومانا سيف إن "هذه المحاكمة غاية في الأهمية للسوريين لأنها تنظر في جرائم خطيرة جدا ما تزال ترتكب حتى اليوم".