مجتمع

بغداد تشهد انتعاشا ثقافيا رغم الظلال المتبقية

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

فنانون عراقيون يرسمون خلال مهرجان ثقافي سنوي في شارع أبو نواس المطل على نهر دجلة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. [أحمد الرباعي/وكالة الصحافة الفرنسية]

فنانون عراقيون يرسمون خلال مهرجان ثقافي سنوي في شارع أبو نواس المطل على نهر دجلة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. [أحمد الرباعي/وكالة الصحافة الفرنسية]

بغداد -- تشهد العاصمة العراقية بغداد، التي غالبا ما تنشر عنها أخبار قاتمة عن أعمال عنف ومنافسة جيوسياسية، نهضة فنية متمثلة بمعارض فنية ومهرجانات مسرحية ومعارض كتب على ضفاف نهر دجلة.

وبعيدا عن الصراعات والتوترات، ظهرت نهضة ثقافية في السنوات القليلة الماضية تذكر بعصر ذهبي كانت تعتبر فيه بغداد من العواصم الثقافية في العالم العربي.

وفتحت المعارض أبوابها وانتعشت المهرجانات، مستقطبة حشودا تتطلع لتعويض الوقت الضائع.

وقالت نور علاء الدين مديرة المعرض الفني "ذي غاليري"، "الناس بحاجة للفن، يريدون تطوير ذوقهم الفني. يعد هذا طريقًا للهروب من الواقع. ونحن كأي بلد آخر، نملك حق الاستفادة من الفن للترفيه".

عراقيون يطّلعون على كتب معروضة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر خلال النسخة الثامنة لمهرجان الكتاب بعنوان ʼأنا عراقي، أنا أقرأʻ في شارع أبو نواس الذي يقع في بغداد على ضفاف نهر دجلة والذي يعرف بمكتباته وأكشاك الكتب. [أحمد الرباعي/وكالة الصحافة الفرنسية]

عراقيون يطّلعون على كتب معروضة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر خلال النسخة الثامنة لمهرجان الكتاب بعنوان ʼأنا عراقي، أنا أقرأʻ في شارع أبو نواس الذي يقع في بغداد على ضفاف نهر دجلة والذي يعرف بمكتباته وأكشاك الكتب. [أحمد الرباعي/وكالة الصحافة الفرنسية]

عازف البيانو أحمد محمود وعازفة التشيلو صوفيا نيتي يعزفان في بغداد بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر. [صباح عرار/وكالة الصحافة الفرنسية]

عازف البيانو أحمد محمود وعازفة التشيلو صوفيا نيتي يعزفان في بغداد بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر. [صباح عرار/وكالة الصحافة الفرنسية]

وفتح "ذي غاليري" أبوابه قبل شهر فقط، ولكن الزوار ينتظرون في الطوابير لدى افتتاح أي عروض.

وقال أمير، وهو صيدلي في الـ 25 من العمر، من أمام قاعة "ذي غاليري"، "يسمح الفن لنا بالتخفيف من ضغط حياتنا اليومية".

ويأتي هذا الانتعاش الثقافي مع استعادة العراق مكانته بعد الإعلان عن انتصاره على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العام 2017.

وكان التنظيم قد اجتاح أراض واسعة شمالي العراق عام 2014، ففرض سيطرته على عدد من المدن الرئيسية خلال فترة طبعتها وحشيته وسفك الدماء.

ومع أن الخلايا النائمة التابعة لداعش لا تزال تنفذ هجمات من وقت لآخر، شهد الوضع الأمني تحسنا ملحوظا، رغم ظهور تحديات جديدة من الميليشيات المدعومة من إيران التي نفذت هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة.

وتقوم الميليشيات أحيانا باستهداف المنطقة الخضراء الواقعة في بغداد والمعززة بإجراءات أمنية مكثفة، وهاجم انتحاري من داعش أحد الأسواق المكتظة في مدينة الصدر في تموز/يوليو الماضي قبيل عيد الأضحى، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 36 شخصا وإصابة نحو 60 آخرين.

كذلك، شهدت بغداد حراكًا احتجاجيًا واسعًا بلغت ذروته عام 2019، مع مطالبة العراقيين بوضع حد للفساد الحكومي وللهيمنة المفرطة لإيران على بلادهم.

ʼقشعريرة ودموعʻ

وبعد ظهر أحد أيام شهر تشرين الثاني/نوفمبر، تجمع آلاف الزوار على طول ضفاف دجلة للمشاركة بالنسخة الثامنة لمهرجان الكتاب.

ووزع منظمو مهرجان "أنا عراقي، أنا أقرأ" 30 ألف كتاب مجاني، من الروايات إلى الفلسفة واللغات الأجنبية.

وقدم مغني فولكلور كان مصحوبا بآلات موسيقية تقليدية عرضا فنيا، فيما استمتع بالفعاليات شباب يرتدون ملابس عصرية وعائلات تعددت أعمار أفرادها.

واستضافت بغداد أيضا النسخة الثانية من مهرجان مسرحي دولي في تشرين الثاني/نوفمبر، نظمته وزارة الثقافة والسياحة والآثار.

وقال مدير المسرح علي عباس إن "الصالة كانت تعج بالجماهير" في الأيام الأولى من افتتاح المهرجان.

وأضاف "كان العراقيون يخافون الخروج إلى الشارع. لقد تغير الوضع جذريا".

وشمل المهرجان عروضا مجانية قامت بتأديتها فرق من مصر وتونس وألمانيا وإيطاليا، إضافة إلى عراقيين استفادوا أيضا من فرصة الظهور على المسرح.

وكان من بين الفنانين المشاركين، الممثل الألماني هانو فريدريش الذي كان في أول زيارة له لبغداد، وقدم عمله الذي جاء بعنوان "تيل" وهو مقتبس من رواية ربطت بين الفلكلور الأوروبي وحرب الثلاثين عاما التي شكلت صراعا دينيا في القرن الـ 17.

وقال الممثل البالغ من العمر 55 سنة، "قيل لنا ʼلا تذهبوا فالوضع خطرʻ"، ولكن تجربته حطمت تلك الصور النمطية.

وتابع "صعد الناس إلى خشبة المسرح وعانقونا. قالوا لنا إنهم لم يشاهدوا مثل هذا العرض من قبل. شعرنا بقشعريرة واغرورقت أعيننا بالدموع".

مخرجات عربيات

وفي هذا السياق، كانت الممثلة والمخرجة العراقية زهراء غندور من بين الفنانين الذين ساهموا في الانتعاش الثقافي للبلاد من خلال عملها الوثائقي "نساء من حياتي" الذي عرض في مهرجان الجونة للأفلام في مصر بمطلع كانون الأول/ديسمبر.

وتعد من بين مجموعة من المخرجات العربيات الشابات اللواتي يضعن بصماتهن بأعمال وثائقية تعالج قضايا من قتل الإناث إلى الثورة.

وقالت على هامش المهرجان الذي نظم في المنطقة المطلة على البحر الأحمر إن "الموضوع الأساسي للفيلم هو حياة وموت سيدات شابات وفتيات في العراق. فهو يتناول طريقة تعامل المجتمع العراقي مع جرائم قتل المرأة كما لو كانت أمرا عاديا".

وأشارت إلى "ظهور جيل جديد ولد في تسعينيات العقد الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة خلال السنوات الأخيرة بتوجه جديد"، خصوصا بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي جمعت بين حشود كبيرة.

ويتتبع فيلمها، الذي تلعب فيه دور إحدى الشخصيات الرئيسية، عملية قتل وحشية بحق شابة ويشتبه أن مرتكبيها من أقاربها الذكور.

وذكرت أن "حياتنا كعراقيين بشكل عام غير مستقرة ولكن قتل النساء بصفة خاصة... لا يمكن الاستهانة به".

ومن ناحية عدد المخرجات، يبدو أن السينما العربية تتفوق على هوليوود، حيث أنه من أصل أضخم 250 فيلما عرضت العام الماضي، فإن 18 في المائة منها فقط من إخراج نسائي.

وبالمقابل، وجدت دراسة أعدتها جامعة نورث وسترن عام 2019 أن نحو 50 في المائة من مجمل المخرجين في العالم العربي هم من النساء.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500