الفاو، العراق - يعيش الصيادون العراقيون على ضفاف ممر شط العرب المائي في خوف متواصل من التعرض للتوقيف حين يضلون الطريق بالخطأ عبر الحدود.
ويقع ميناء الفاو للصيد على بعد نحو 15 كيلومترا من المكان الذي يلتقي فيه نهرا دجلة والفرات الكبيرين ويتدفقان نحو الخليج العربي.
وكانت المدينة الساحلية على الخط الأمامي في الحربين اللتين شكلتا تاريخ العراق الحديث، في ثمانينيات القرن العشرين ضد إيران ثم بعد غزو صدام حسين للكويت في آب/أغسطس 1990.
وعلى الضفة المقابلة لشط العرب، يرفرف علم إيران بلونه الأخضر والأبيض والأحمر إلى جانب صور لمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني وخلفه المرشد الإيراني علي خامنئي.
وقال عبد الله وهو صياد عراقي فضّل عدم ذكر اسم عائلته، "نواجه الكثير من المشاكل مع الإيرانيين".
وتابع "إذا عبرنا الحدود بسبب التيار، يقومون باعتقالنا".
اعتقالات وغرامات
هذا ويشكو الصيادون العراقيون في الفاو ومنهم طارق زياد، من "التعرض لمضايقات" من جانب كل من إيران والكويت.
فحين تغادر قواربهم شط العرب وتتوجه نحو البحر المفتوح في الخليج العربي، غالبا ما يجدون أنفسهم في المياه الإيرانية أو الكويتية بسبب التيارات.
وقال زياد إن "الإيرانيين يزجون بك في السجن ويجعلونك تدفع غرامة قدرها 3 آلاف دولار. وهذا ما حدث لشقيقي منذ بضعة أيام، فقد اعتقلته دورية نهرية إيرانية ودفع 3 آلاف دولار".
وتواصلت وكالة الصحافة الفرنسية مع السلطات الإيرانية، إلا أنها لم تستجب لطلب التعليق على الأمر.
ووفقا لبدران التميمي الذي يترأس اتحاد الصادين في الفاو، فإن الصيادين المحليين "لا يحصلون على أي دعم من الحكومة (العراقية)".
وقال التميمي إن الكويت أيضا تعتقل الصيادين العراقيين الذين يدخلون "بدون قصد" لمياهها الإقليمية.
وأضاف "مساء أمس، ذهبت إلى الحدود الكويتية لإرجاع 3 صيادين كانوا قد اعتقلوا. وهذا الأسبوع، ذهبت إلى هناك 3 أو 4 مرات".
وفي المقابل، قال مسؤول أمني كويتي شريطة عدم الكشف عن هويته إن "الناس الذين يُعتقلون في المناطق الحدودية يتم تسليمهم وهم بصحة جيدة من قبل القوات البرية وبالتنسيق مع الجانب العراقي".
مخاوف بيئية
كذلك، تشكل القضايا البيئية مصدر قلق متزايد بالنسبة للصيادين العراقيين الذين يعتمدون على الممرات المائية في أرزاقهم.
فتم تسجيل انخفاض ملحوظ في التدفقات المائية من إيران، وذلك نتيجة قيام الجمهورية الإسلامية بإيقاف أو تحويل مسار الأنهار التي تنبع من أراضيها.
ويعتمد العراق بصورة رئيسية على الإطلاقات المائية من تركيا إلى نهري دجلة والفرات، وهي تشكل 56 بالمائة من إجمالي موارده المائية.
وتأتي نسبة 12 بالمائة إضافية من الأنهر والجداول التي تتدفق إلى البلاد من إيران، في حين تأتي البقية من مصادر داخلية مثل البحيرات والآبار.
وقد قامت إيران ببناء سدود جديدة في السنوات الأخيرة تسببت في تغيير مسار نهر كارون الذي يتدفق إلى شط العرب، وقامت بتحويل مسار مياهه.
ويسعى العراق الآن لإعادة النظر في اتفاق الجزائر لعام 1975 الذي وقعه مع إيران والذي قال عنه مسؤولون حكوميون إنه يتضمن بنودا "مجحفة" تتعلق بتنظيم إمدادات المياه بين البلدين.
ولكن يصر الإيرانيون على الإبقاء على الاتفاق كما هو.
ورغم تحرك بغداد لطلب التحكيم الدولي، إلا أنها لا تريد أن تغلق الباب أمام الحوار مع إيران.
كمية صيد أصغر
واشتكى الصياد عبد الله قائلا "نذهب إلى البحر لمدة تتراوح بين 8 و10 وحين نعود، نكون قد اصطدنا بين 500 كيلوغرام وطنّا واحدا، مقارنة بـ 3 أو 4 أطنان قبل 20 عاما".
وأصبحت رحلات الصيد أقصر بكثير، كما أن الحدود تخضع لرقابة صارمة من قبل جيران العراق.
وإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار الوقود.
وفيما تنكمش الأنهار العراقية جراء الجفاف وبناء السدود في إيران وتركيا، تتقلص كذلك كمية الأسماك الموسمية التي كان السكان المحليون يعتمدون عليها في غذائهم.
وفي حين أن مياه الأنهار تنحسر إلى مستويات أقل باستمرار، يرتفع مستوى المياه في الخليج العربي.
وقال إياد عبد المحسن وهو عالم أحياء بحرية في جامعة المستنصرية ببغداد، "نشاهد المزيد والمزيد من الأنواع البحرية في الأنهر إذ تصبح المياه مالحة".
وأوضح أن مخلفات "الأنشطة البشرية، مثل الصرف الصحي والنفايات"، التي ينتهي بها المطاف في الممرات المائية العراقية تتسبب بـ"أمراض في الجهاز الهضمي والإسهال وحتى الكوليرا".