يلعب العراق بهدوء منذ أشهر دور الوسيط في جولات دقيقة من المحادثات رفيعة المستوى بين السعودية وإيران، تهدف إلى خفض حدة التوتر بين الخصمين وتمهيد الطريق لمزيد من الاستقرار الإقليمي.
ولكن أشار محللون إلى أن أنشطة الميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران ككتائب حزب الله، تهدد بنسف أي نتائج إيجابية قد تسفر عن تلك الجولات، كما تثير مخاوف بشأن ما إذا كانت هذه الميليشيات تتحرك من تلقاء نفسها أو بموافقة إيرانية ضمنية.
ومنذ نيسان/أبريل الماضي تجري محادثات رفيعة المستوى بين الرياض وطهران هي الأولى من نوعها منذ قطع العلاقات بينهما عام 2016، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكان وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان قد أكد في 3 تشرين الأول/أكتوبر أن "الجولة الرابعة من المحادثات جرت في 21 أيلول/سبتمبر".
وقال إن "هذه المحادثات ما تزال في مرحلة استكشافية، ونأمل أن تضع حجر الأساس لمعالجة المشاكل القائمة بين الجانبين".
وكشفت مصادر عراقية أن مسؤولين من البلدين التقوا في بغداد.
ومن جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في 23 أيلول/سبتمبر، إن المحادثات أحرزت "تقدما جديا" في المسار المرتبط بأمن الخليج.
ويشمل الخلاف بين الرياض وطهران مروحة كبيرة من القضايا الإقليمية، بينها الحرب الدائرة في كل من اليمن وسوريا.
وكانت السعودية قد تدخلت في حرب اليمن عام 2015 لصالح الحكومة المعترف بها دوليا، وذلك بعد وقت قصير من الانقلاب الذي نفذه الحوثيون المدعومون من إيران في صنعاء.
وتكرر استهداف الحوثيين للمملكة بهجمات عبر الحدود.
وتتخوف الرياض أيضا من البرنامج النووي الإيراني، رغم إصرار الجمهورية الإسلامية على أنها تسعى لامتلاك التكنولوجيا النووية "السلمية" فقط.
حملة تحريض
وفي كلمة ألقاها في تشرين الأول/أكتوبر عبر مؤتمر مرئي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال العاهل السعودي الملك سلمان "نأمل أن تؤدي محادثاتنا إلى نتائج ملموسة من شأنها بناء الثقة" وإحياء "التعاون" الثنائي.
ودعا طهران مرة أخرى إلى "وقف جميع أشكال الدعم" للجماعات المسلحة في المنطقة، مؤكدا من جديد دعم المملكة "للجهود الدولية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية".
لكن وفي ما يبدو معارضة مباشرة لمبادرة التفاوض، تواصل كتائب حزب الله قيادة حملة تحريض وتهديد ضد السعودية، وذلك في خطوة يخشى البعض أنها تحظى بموافقة إيرانية ضمنية.
وقال محللون سياسيون للمشارق إن التهديدات المتكررة لكتائب حزب الله وغيرها من الوكلاء الإيرانيين هي جزء من السياسة العدائية التي تواصل طهران انتهاجها ضد جيرانها.
وأضافوا أن هؤلاء الوكلاء ينفذون ما تريده الجمهورية الإسلامية وهو تأجيج العنف في المنطقة.
وأشار المحللون إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية والأخرى المقربة من كتائب حزب الله وحلفائها تحرض باستمرار على العداء للسعودية ودول الخليج الأخرى، مثل دولة الإمارات.
وذكر المحلل السياسي علاء النشوع للمشارق أن كتائب حزب الله "مثلما لها أهداف تخريبية داخل العراق، تلعب أيضا دورا إرهابيا خارج الحدود يمس الدول العربية والخليجية".
وكانت ألوية الوعد الحق التابعة لكتائب حزب الله قد أعلنت مسؤوليتها عن هجوم نفذ بطائرة مسيرة على قصر اليمامة الملكي في الرياض وأحبط يوم 23 كانون الثاني/يناير.
وسبقت هذا الهجوم حملة إعلامية شرسة شنت ضد المملكة.
جزء أساسي من المحور الإيراني
وأضاف النشوع أن كتائب حزب الله تتحرك بإيعاز مباشر من إيران لتنفيذ أجندتها، وهي جزء أساسي من المحور الإيراني الذي يضم أيضا الحوثيين في اليمن، علما أن هؤلاء قد هاجموا السعودية بسلاح وتمويل إيراني.
وأشار إلى أن كتائب حزب الله تحدث ضررا كبيرا لسيادة العراق وسمعته، وذلك من خلال استخدام أراضيه كمنصة لشن الهجمات الإرهابية.
وتابع النشوع أن العراقيين بكل أطيافهم يدينون هذه الأفعال ويعتبرونها مساسا خطيرا بمصالحهم الوطنية، مشددا على أن حكومة بغداد أظهرت وفي أكثر من مناسبة معارضتها الشديدة لأنشطة هذه الميليشيات.
وأكد أن الرياض تنظر بإيجابية لموقف العراق وهي تقف بجانب حكومته وتتطلع لتعزيز العلاقات الثنائية على مستويات عديدة، وخصوصا في الشأن الاقتصادي، رغم سعي الميليشيات إلى تعطيل أي تقارب بين البلدين.
وفي العام الماضي، عارض وكلاء إيران وعلى رأسهم كتائب حزب الله خطة استثمار سعودية في العراق وشنوا حملة تحريض ضدها.
ولكن رفض رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي ضغوطات الميليشيات ومضى بتوطيد التعاون مع السعودية مبرما خلال زيارته إلى الرياض في 31 أذار/مارس الماضي اتفاقات اقتصادية مهمة في مجالات الطاقة والزراعة والتجارة.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، عقد مسؤولون من البلدين مباحثات أمنية عالية المستوى في بغداد تمحورت حول ضبط أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار المشترك.
التهديدات ’لغة معتادة‘
من جهته، قال الزعيم العشائري الشيخ ثائر البياتي إن تهديدات كتائب حزب الله للسعودية أو الإمارات باتت "لغة معتادة يعتمدها وكلاء محور إيران".
وأضاف أن صوت هؤلاء يعلو كلما تأزم وضع إيران دوليا.
وأوضح أن وكلاء إيران هم مجرد "مرتزقة" تحركهم إيران كما تريد، مضيفا أنها "تتخلى عنهم بسهولة وتتنصل من أنشطتهم إذا رأت أنها تضر بمصالحها".
وأكد البياتي أن ممارسات إيران تضر بالأمن الدولي والإقليمي.
وشدد على أن مفاوضات التقريب بين السعودية وإيران مرهونة بتغيير النظام الإيراني لسلوكه ووقف دعمه لكل الميليشيات التابعة له.
ودعا إلى محاسبة كتائب حزب الله على الضرر الذي ألحقته بالعراقيين وعلى عملياتها الإرهابية التي تنفذها خارج الحدود وهددت عبرها مصالح العراق وأضرت بمكانته الدولية.