تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الخميس، 26 آب/أغسطس، بملاحقة مرتكبي التفجيرات الانتحارية في مطار كابول التي تبناها فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في خراسان (داعش خراسان).
وفي التفاصيل أن تفجيرين وقعا وسط حشد من الناس تجمعوا خارج مطار حامد كرزاي الدولي في كابول يوم الخميس في الأيام الأخيرة لجهود الإجلاء من أفغانستان التي وقعت تحت سيطرة حركة طالبان ، ما أسفر عن مقتل 85 شخصا، بينهم 13 جنديا أميركيا.
وقال الناطق باسم مشاة البحرية الأميركية (المارينز) الرائد تيم ستينغر في بيان، إن عشرة من الذين قضوا والعديد ممن أصيبوا هم من قوات المارينز.
وثمة مخاوف من ارتفاع حصيلة القتلى مع توافد الناس إلى المستشفيات يوم الجمعة بحثا عن أقارب لهم مفقودين.
وإثر التفجيرين، قال الرئيس الأميركي جو بايدن "لأولئك الذين نفذوا هذا الهجوم ولكل من يرغب بإلحاق الأذى بأميركا، أقول: لن نسامح. لن ننسى. سنلاحقكم ونجعلكم تدفعون الثمن".
وأكد أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن مهمتها في إجلاء آلاف المدنيين من أفغانستان وأنها ستلتزم بتاريخ 31 آب/أغسطس لسحب كل قواتها من أفغانستان.
واستأنفت رحلات الطيران يوم الجمعة، حيث تم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من البلد منذ اكتساح حركة طالبان للبلاد ووصولها إلى السلطة يوم 15 آب/أغسطس.
ووقعت التفجيرات التي تبناها تنظيم داعش خراسان عبر ذراعه الإعلامية وكالة أعماق بالقرب من البوابة الرئيسة لمطار كابول يوم الخميس، مع غروب الشمس.
وجاء التفجير المزدوج، الذي وصفه الناطق باسم البنتاغون جون كيربي بأنه "هجوم معقد"، بعد ساعات فقط من تأكيد مسؤولين غربيين إن لديهم معلومات استخبارية حول خطط لتنفيذ تفجيرات انتحارية ضد المطار.
وقال كيربي إن إحدى القنبلتين انفجرت عند بوابة آبي، وهي البوابة الرئيسة للمطار، وإن "انفجارا واحدا آخر على الأقل وقع في فندق بارون أو بالقرب منه"، على بعد نحو 200 متر.
وكانت بعض الدول تستخدم فندق بارون كنقطة انطلاق لعمليات الإجلاء منذ مد الجسر الجوي يوم 14 آب/أغسطس.
وفي وقت مبكر من يوم الحادثة، دقت الحكومة الأميركية وحلفاؤها ناقوس الخطر بإصدار سلسلة من النشرات التي حذرت فيها مواطنيها من الذهاب إلى المطار.
وقال مسؤولون أميركيون ومسؤولون من الحلفاء يوم الخميس إنهم تلقوا معلومات استخبارية مفادها أن انتحاريين مرتبطين بداعش خراسان يهددون بمهاجمة المطار قبيل انتهاء مهلة الإجلاء يوم 31 آب/أغسطس. وقد تحدث بايدن عن تهديد إرهابي "حاد" من داعش خراسان.
بدوره، أشار رئيس وزراء بلجيكا ألكساندر دي كرو إلى تهديد من انتحاريين، في حين أصدرت المملكة المتحدة أيضا تحذيرا لمواطنيها.
وعلى الرغم من التحذيرات من تهديد إرهابي وشيك، فقد واصلت مجموعات ضخمة من الناس في التدفق على المطار في محاولة مستميتة للفرار من طالبان.
مجزرة في محيط المطار
ووقع التفجيران وسط حشد من الناس في محيط المطار، ما أدى إلى سقوط بعض الضحايا على وجوههم في قناة ضحلة ونتنة.
وميلاد الذي كان حاضرا في موقع الانفجار الأول وعرفت عنه وكالة الصحافة الفرنسية باسمه الأول فقط، قال إن "الجثث واشلاء القتلى والناس سقطوا في قناة قريبة من المكان".
ونقل المنقذون الضحايا المصابين بملابسهم المضرجة بالدماء في عربات تجر باليد، فيما كان الناجون المذهولون يصرخون طالبين المساعدة في البحث عن أحبائهم وسط المجزرة.
وأمسك رجل بأحد الضحايا كان شبه واع من مرفقه، في محاولة لمنع رأسه من السقوط تحت سطح الماء العكر.
وقال شاهد لوكالة الصحافة الفرنسية شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه "حين سمع الناس دوي الانفجار، سادت حالة من الرعب الشامل. وبدأ عناصر طالبان في إطلاق النيران في الهواء لتفريق الجموع المحتشدة عند البوابة".
وأضاف "رأيت رجلا يسرع حاملا طفلا رضيعا مصابا في يديه".
وتصاعدت ألسنة الدخان الكثيف في السماء فيما فر الرجال والنساء والأطفال من مسرح التفجير.
وقالت منظمة إميرجنسي، وهي منظمة غير حكومية إيطالية، إن أكثر من 60 من الجرحى تدفقوا إلى المستشفى الذي تديره في كابول، وأعلن عن وفاة 16 منهم عند وصولهم إليه.
وكتب ألبرتو زانين المنسق الطبي في المستشفى في منشور على حساب المنظمة على تويتر، أن المصابين "كانوا عاجزين عن الحديث، وكثير منهم كانوا مرعوبين وأعينهم زائغة وضائعة ونظراتهم فارغة".
في حين قالت رئيسة المنظمة روسيلا ميتشو إن المصابين الذين نقلوا إلى المستشفى "كانوا جميعهم مدنيين من النساء والأطفال".
وفي بيان، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن حزنها على الذين قضوا، بمن فيهم "الأفغان الذين احتشدوا بالقرب من المطار على أمل الحصول على فرصة لبدء حياة جديدة في مكان آخر"، وقدمت "تعازيها الحارة" لأحبائهم.
سجل داعش خراسان الدامي
وكانت حركة طالبان قد سمحت للقوات التي تقودها الولايات المتحدة بتنفيذ عمليات نقل عبر جسر جوي، وكانت تخطط لإنهاء تشكيل حكومتها بمجرد مغادرة القوات الأميركية.
لكن داعش خراسان، وهي حركة منافسة دموية لطالبان ولديها سجلها الخاص من الهجمات البربرية، كانت عازمة على استغلال حالة الفوضى في كابول.
وقال عبد الباسط، وهو زميل أبحاث في كلية س. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إن "هجمات الليلة الماضية قد أظهرت مرة أخرى أنه ليس بوسع أي جماعة وحدها أن تدعي احتكار العنف في أفغانستان أو تزعم أنها تستطيع تأمين البلاد".
من جهته، قال وزير الدفاع الاسترالي بيتر دوتون في إشارة إلى داعش خراسان إن "هؤلاء الأشخاص هم حتى أكثر تطرفا من حركة طالبان، وهم في الأساس في حالة حرب معها. لذا فإن الوضع معقد على نحو مرعب".
وفي السنوات الأخيرة، نفذت داعش خراسان مذابح ضد مدنين في المساجد والأضرحة والساحات العامة وحتى المستشفيات، مستهدفا بشكل خاص المسلمين الذين يعتبرهم مرتدين، بمن فيهم الشيعة.
وتعود نشأة التنظيم إلى عام 2014 حين إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الخلافة في العراق وسوريا، فانضم مقاتلون منشقون عن طالبان باكستان إلى متشددين في أفغانستان لإنشاء فرع إقليمي وبايعوا زعيم داعش أبو بكر البغدادي.
واعترفت القيادة المركزية لداعش رسميا بداعش خراسان ورسخ الأخير جذوره في شمال شرقي أفغانستان، لا سيما في محافظات كونار وننكرهار ونورستان.
وبحسب مراقبي الأمم المتحدة، فقد أسس التنظيم أيضا خلايا نائمة في مناطق أخرى من باكستان وأفغانستان، بينها كابول.
يذكر أن "خراسان" هي اسم تاريخي للمنطقة التي تضم حاليا أجزاء من باكستان وإيران وأفغانستان وآسيا الوسطى.
وفي العام الماضي، حُملت داعش خراسان مسؤولية هجوم صدم العالم حين نفذ مسلحون مجزرة دموية في قسم للولادة في حي ذي أغلبية شيعية في كابول، وأودوا بحياة 16 من الأمهات وأمهات المستقبل.