بيروت - في الوقت الذي يستعد فيه الجيش اللبناني للاحتفال بالذكرى الـ 76 لتأسيسه يوم الأحد، 1 آب/أغسطس، تعاني المؤسسة العسكرية من تأثير الأزمتين السياسية والاقتصادية لكنها تقف صامدة بفضل المساعدة الدولية التي تتلقاها.
ومع انخفاض قيمة رواتبهم عقب الانخفاض الحاد في سعر العملة، يواجه الجنود اللبنانيون كغيرهم من المواطنين اللبنانيين نقصا في المواد الغذائية إضافة إلى تحديات أخرى.
فيتلقى الجندي النظامي راتبا شهريا يقارب 1.2 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 800 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، لكنه فعليا لا يتجاوز الـ 60 دولارا في السوق السوداء.
وكان الجيش قد أعلن في منتصف العام الماضي أنه ألغى اللحوم من الوجبات التي يقدم للجنود أثناء الخدمة، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفرضت الظروف الحالية التي تسود البلاد ضغوطا غير مسبوقة على الجنود، جاءت لتضاف إلى التحدي المتمثل في الحفاظ على الاستقرار لمنع انزلاق البلاد نحو الفوضى.
وفي 4 آب/أغسطس المقبل، ستحيي البلاد الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمر مساحات شاسعة من المدينة.
وأعقب انفجار المرفأ سلسلة من الأحداث منها استقالة الحكومة، وشهدت هذه الفترة التفاف الناس حول المؤسسة العسكرية لضمان الأمن والاستقرار بعد أن فقدوا الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة.
دعم دولي قوي
ومع تفاقم الأزمة وتصاعد التحديات في وجه الجيش، توجه قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إلى الحكومة الفرنسية طالبا منها المساعدة.
فاستضافت فرنسا مؤتمرا للمانحين دعمته الأمم المتحدة في 17 حزيران/يونيو لتأمين مساعدات طارئة للجيش اللبناني، وقد شاركت فيه نحو 20 دولة بينها الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
وتشمل الدول التي كثفت مساعدتها للجيش اللبناني خلال الأزمة، إسبانيا التي أرسلت 19 طنا من المواد الغذائية للجيش اللبناني في نهاية حزيران/يونيو، وقطر التي ستزود الجيش بـ 70 طنا من الطعام شهريا.
وتواصل الولايات المتحدة أيضا مد الجيش اللبناني بدعم قوي، إذ قدمت له هذا العام 120 مليون دولار لدعم عملياته وقدراته، بزيادة قدرها 15 مليون دولار عن العام الماضي.
وقدمت الولايات المتحدة الشهر الماضي كذلك 59 مليون دولار كتعويض للجيش اللبناني عن النفقات الأمنية التي تكبدها عام 2018.
وقام مبعوث من القيادة المركزية الأميركية بزيارة إلى لبنان بين أواخر حزيران/يونيو ومطلع تموز/يوليو استمرت أسبوعين، وذلك لمراجعة تحديثات أنظمة أمن الحدود المثبتة في المواقع التي تسيطر عليها أفواج الحدود البرية والبحرية التابعة للجيش.
تأكيد على دور الجيش
وأشار مراقبون إلى أن الدعم الدولي للجيش اللبناني يؤكد على الثقة الواسعة في أدائه وعلى ضرورة تعزيز قدراته.
وشددت مصادر في قيادة الجيش اللبناني على أن الدعم الدولي المقدم للمؤسسة العسكرية اللبنانية مهم للغاية في هذه الفترة.
وقالت إن هذا الدعم يأتي كتأكيد دولي على أن الجيش اللبناني هو العمود الفقري للحفاظ على الاستقرار الوطني، مضيفة أن المجتمع الدولي يراهن على لعبه دورا رئيسا لأنه لا يريد رؤية لبنان ينهار.
ووفقا لمصدر عسكري، يستثمر المجتمع الدولي في الجيش اللبناني منذ سنوات كانت خلالها الولايات المتحدة مانحا رئيسا.
وأضاف المصدر أن "الولايات المتحدة لم تتوقف عن دعم المؤسسة العسكرية، وتواصل دعمها حتى اليوم".
وتابع أنه بالإضافة إلى 120 مليون دولار من المساعدات التي قدمتها له هذا العام، فإن الولايات المتحدة تزود الجيش اللبناني أيضا بمساعدة لوجستية دورية لتعزيز قدراته في الاستجابة للتهديدات الخارجية.
وأكد المصدر أن لبنان يواجه أخطر الأزمات السياسية والاقتصادية في تاريخه، لافتا إلى ضرورة ضمان استقراره في هذه المرحلة.
ويراهن المجتمع الدولي على الجيش للحفاظ على الاستقرار، ويقدم له الدعم "الذي بدأ يترجم على الأرض مع وصول المساعدات الغذائية والطبية وقطع غيار الآلات والوقود".
بسط السيادة اللبنانية
واعتبر الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد مارون حتي أن "كل دعم يقدم للجيش من المجتمع الدولي جيد لثقته به، ولأنه يرفع من قدراته العسكرية".
ورأى أن "المطلوب بإلحاح دعم بقاء عديد المؤسسة العسكرية بمضاعفة راتب الجيش الشهري لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة بالبلد".
من جانبه، قال مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسان قطب، إن أزمة البلاد تفاقمت مع العمليات الواسعة لتهريب المواد الغذائية والوقود إلى سوريا والتي تنفذها الميليشيات المسلحة "لتحقيق أرباح مالية على حساب أموال وصحة وغذاء اللبنانيين".
وأردف أن كثيرين بين اللبنانيين يدركون أن حزب الله المدعوم من إيران ينفذ أجندة إيران في لبنان كما يدل على ذلك دخوله الحرب في سوريا وتهريبه الوقود والمواد الغذائية والإمدادات الطبية إليها. ويتهمون الحزب أيضا بوضع يده على المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي للشعب اللبناني.
وذكر قطب أن دعم الجيش "يسمح له بمتابعة دوره ورسالته دون تأثير من الأطراف الذين لا يريدون الاستقرار والازدهار للبنان، إنما يريدونه ساحة لتصفية الصراعات".
وأكد أن دعم الجيش يساعد الدولة على بسط سيادتها على كل الأراضي اللبنانية، ويمنع استخدام المعابر الحدودية للتهريب.
ويساهم أيضا في عدم دخول لبنان نفق الصراعات الداخلية، ويمنع سقوطه في فوضى أمنية في ظل غياب أي حل سياسي.
وأوضح قطب أن الدعم المقدم من دول مختلفة، "يؤكد حقيقة أن الجيش هو جيش وطني لا يعمل بإمرة دولة راعية معينة أو يخدم مشاريع إقليمية أو محاور دولية".
وتابع أنه على العكس، هو موضع ثقة بالنسبة لدول عدة "سارعت إلى الوقوف بجانبه في هذه الظروف الصعبة باعتباره ضمانة وحدة لبنان ونهوضه من جديد".