بيروت -- طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني حسان دياب يوم الجمعة، 4 حزيران/يونيو، من الأمم المتحدة النظر بسرعة في "وسائل بديلة" لتمويل المحكمة الخاصة بلبنان التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي قد تغلق أبوابها بسبب أزمة السيولة التي تواجهها.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من إعلان البنك الدولي في تقرير صدر يوم الثلاثاء أن الانهيار الاقتصادي في لبنان قد يكون من بين أسوأ الأزمات المالية التي عرفها العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر.
ويتوقع التقرير انكماش الاقتصاد اللبناني بنحو 10 في المائة عام 2021، مؤكدا أنه "لا تلوح في الأفق أية نقطة تحول واضحة".
وفي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قال دياب إنه "مع الأخذ في الاعتبار الأزمات الحادة المستمرة" في لبنان، هناك حاجة ملحة للبحث عن وسائل بديلة لتمويل المحكمة.
وكانت المحكمة التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي يقع مقرها هولندا، قد أنشأت بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي ودُشنت عام 2009 لمحاكمة المشتبه بتورطهم في التفجير الذي أودى عام 2005 بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و21 آخرين.
وكان من المفترض أن تبدأ محاكمة أحد قتلة الحريري وعضو حزب الله المتهم سليم عياش في 16 يونيو/حزيران، وذلك على ذمة ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين.
لكن المحكمة أعلنت يوم الخميس أنها ستغلق أبوابها إذا لم تزود عاجلا بالسيولة بحلول نهاية تموز/يوليو، كاشفة يوم الجمعة أن جلسة عياش "ألغيت بسبب نقص الأموال".
وقالت المحكمة، التي تحصل على 51 في المائة من ميزانيتها من الدول المانحة والباقي من لبنان، إن "الظروف الصعبة الناتجة عن جائحة كوفيد-19 العالمية والوضع المقلق في لبنان" قد أجبراها بالفعل على تخفيض ميزانيتها لعام 2021 بنحو 37 في المائة مقارنة بالسنوات السابقة.
انتكاسة للضحايا
وفي العام الماضي، حكمت المحكمة الخاصة بلبنان على عياش بالسجن مدى الحياة على خلفية ضلوعه بالتفجير.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في آذار/مارس الماضيعن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد موقعه أو هويته، أو تؤدي إلى منعه من الانخراط في عمل إرهابي دولي.
وأعلنت المحكمة في وقت لاحق أنها ستجري محاكمة منفصلة لعياش بشأن هجمات استهدفت عامي 2004 و2005 النائب الدرزي مروان حمادة وأمين عام الحزب الشيوعي اللبناني السابق جورج حاوي ووزير الدفاع آنذاك إلياس المر.
وقُتل حاوي واثنان آخران في الهجمات، فيما أصيب المر وحمادة وثلاثة آخرون.
وما يزال عياش هاربًا مع رفض زعيم حزب الله حسن نصر الله تسليمه إلى جانب ثلاثة متهمين آخرين تمت في النهاية تبرئتهم، وطعن المدعون في أحكام البراءة هذه.
ومددت الأمم المتحدة ولاية المحكمة في شباط/فبراير عامين آخرين.
وقالت المحكمة يوم الخميس إنها تلقت 15.5 مليون دولار من الأمم المتحدة تغطي ثلاثة أرباع مساهمة لبنان لتجنب الإغلاق الفوري.
وجاء في البيان "مع امتننان المحكمة الخاصة بلبنان للدعم الكبير الذي قدمته الأمم المتحدة، لا تزال بانتظار مساهمات أخرى وهي تفتقر إلى الأموال اللازمة لأداء مهامها القضائية".
وأضافت أن "المحكمة الخاصة بلبنان مستاءة للغاية من تأثير هذا الوضع على ضحايا الهجمات التي تدخل ضمن ولايتها القضائية، بعد أن وضعوا أملهم وثقتهم في العدالة الجنائية الدولية".
"بالنسبة للبنان والمجتمع الدولي وضحايا الإرهاب، فقد ثبتت إجراءات المحكمة الخاصة بلبنان حقائق مهمة، واعترفت بالضرر الذي عانى منه الضحايا والمجتمع اللبناني ووجهت رسالة قوية إلى العالم مفادها أن الإرهاب لن يمر دون عقاب."
وأكدت المحكمة أنها "ستواصل جهودها لجمع الأموال اللازمة للقيام بعملها المهم، وتحث المجتمع الدولي على مواصلة دعمها".
’انهيار اقتصادي حاد‘
ويبدو أن الصعوبات التي تواجهها المحكمة ما هي إلا نتيجة أخرى للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.
فلبنان تخلف العام الماضي عن سداد ديونه وفقدت عملته الوطنية نحو 85 في المائة من قيمتها، وبات الفقر يخيم على بلد كان يُنظر إليه سابقا على أنه منارة للازدهار في المنطقة.
وفي هذا السياق، جاء في تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الصادر عن البنك الدولي: "لعل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب لبنان من بين الأزمات العشرة، وربما من بين الأزمات الثلاثة، الأكثر حدة عالميا منذ أواسط القرن التاسع عشر".
وذكر التقرير أن مثل هذا الانهيار الحاد غالبا ما يُعزا إلى الحروب.
وأكد أن الطبقة الحاكمة في لبنان قد تخلفت عن اتخاذ إجراءات لمواجهة أسوأ حالة طوارئ تشهدها البلاد منذ أجيال، وتفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت المدمر في آب/أغسطس الماضي.
ويبدو أن شريحة كبيرة من اللبنانيين تحمل حزب الله مسؤولية تفاقم الازمة ، معتبرين أن لبنان لن يحصل على التمويل الذي يحتاجه للخروج من حال الانهيار بسبب ولاء الحزب لإيران ونفوذه في البرلمان.
وتحاول الولايات المتحدة إلى جانب عدد متزايد من الدول الأوروبية حل الأزمة السياسية في لبنان وتكثيف الضغط على حزب الله وقادته عبر العقوبات والتصنيفات الإرهابية.
وقال البنك الدولي إنه "في ظل حالة غير مسبوقة من عدم اليقين، من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 9.5 في المائة عام 2021"، ما يبدد أية آمال في انتعاش سريع.
وأضاف أن الاقتصاد اللبناني انكمش 6.7 في المائة عام 2019 و20.3 في المائة عام 2020.
ويتقاضى بعض المعلمين في لبنان حاليًا ما يعادل أقل من 200 دولار شهريا، ويبحث الأطباء بشكل متزايد عن عمل في الخارج وبات العديد من الطلاب عاجزون عن تحمل مصاريف الدراسة الجامعية.
فالدولة المفلسة عاجزة عن سداد العديد من فواتيرها.
إلى هذا، حذر وزير الطاقة ريمون غجر من أن إمدادات الكهرباء أصبحت حرجة وأن البلاد قد تغرق في ظلام دامس بحلول نهاية حزيران/يونيو.
وذكر تقرير البنك الدولي أن "التدهور الحاد في الخدمات الأساسية سيكون له آثار طويلة الأجل، تتمثل على سبيل المثال لا الحصر في الهجرة الجماعية وخسائر في التعلم وسوء النواتج الصحية والافتقار إلى شبكات الأمان الفعالة".
وأكد أن "إصلاح الأضرار الدائمة في رأس المال البشري سيكون أمرا بالغ الصعوبة".