ظهرت إلى العلن في الأسابيع القليلة الماضية التبعات السلبية على لبنان للتواطؤ المتواصل لحزب الله في عملية إنتاج المخدرات غير القانونية ونقلها والإتجار بها.
حيث كشف حدثان بارزان، هما ضبط شحنة كبيرة من حبوب الكبتاغون في السعودية مؤخرا واعتقال "أمبراطور الكبتاغون" في لبنان، كيف أن محاولات حزب الله لجني العائدات لصالح مقاتليه عبر الإتجار بالمخدرات غير القانونية تقوض علاقات لبنان بدول المنطقة وقدرته على الدخول بعلاقات تجارية معها.
وقال فتحي السيد المتخصص في الشأن الإيراني بمركز الشرق الأوسط للدراسات الإقليمية والاستراتيجية إن "حزب الله يضع مصلحته الخاصة في المرتبة الأولى مقارنة مع المصالح الخاصة بالشعب اللبناني والدولة اللبنانية".
وأوضح أن "الحزب وقياداته كانوا يعلمون جيدا أنه لو تم كشف شحنة الكبتاغون الأخيرة ستكون العواقب وخيمة، ليس فقط بالنسبة للحزب بل أيضا بالنسبة للاقتصاد اللبناني".
وكانت الشحنة، التي تم اعتراضها في مرفأ جدة بتاريخ 23 نيسان/أبريل، تحتوي على ملايين حبوب الكبتاغون المخبأة داخل رمان تم تعبئته في سوريا ومن ثم نقل إلى لبنان قبل أن يرسل إلى المملكة.
وتابع أنه كما هو متوقع، "فإن موقف المملكة العربية السعودية التلقائي كان وقف استيراد أية منتجات زراعية من لبنان وأيضا نقلها عبر أراضيها وذلك لحماية أمنها القومي وأمنها الاجتماعي".
وأشار إلى أنه بالتالي، خسر لبنان ملايين الدولارات.
ولفت إلى أن "الصادرات الزراعية اللبنانية إلى السعودية تمثل 16 في المائة من مجمل الصادرات، أي ما يوازي 50 ألف طن بقيمة 24 مليون دولار".
كما ستتأثر الصادرات إلى مجمل الدول الخليجية، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 145 مليون دولار، بسبب قرار منع العبور للبضائع اللبنانية.
ʼأمبراطور الكبتاغونʻ
واعتقل المسؤول في حزب الله حسن محمد دقو، الذي لقبته وسائل الإعلام بـ "إمبراطور الكبتاغون"، على خلفية دوره في تهريب مخدر الأمفيتامين إلى السعودية وبلدان أخرى، في بيروت بتاريخ 9 نيسان/أبريل.
وقال صلاح منصور، وهو من أقارب أحد المسؤولين البارزين السابقين في حزب الله وكان مقربا من قادة حزب الله قبل الانشقاق عنه، إن دقو ليس إلا "أداة بيد حزب الله".
وأضاف أنه "يلعب الدور المرسوم له والمهمات التي يكلف بها، شأنه كشأن آلاف الأشخاص الذين يلعبون أدوارا مماثلة في سوريا ولبنان والعديد من الدول حول العالم".
وعمل دقو في مجال البناء سابقا قبل أن يبدأ بتهريب البضائع المحظورة وغيرها من السلع بين لبنان وسوريا في ظل حماية حزب الله. وسرعان ما أصبح يُعرف بأنه مصدر لحبوب الكبتاغون.
يُذكر أن الكبتاغون هو مخدر أمفيتامين كان يستخدم على نطاق واسع من قبل المقاتلين في الحرب السورية التي يقاتل فيها حزب الله دعما للنظام، وذلك في خطوة تنتهك بوضوح سياسة النأي بالنفس في الصراعات الإقليمية التي يتبناها لبنان بموجب ما نص عليها اتفاق الطائف.
وأضاف منصور أن دقو "أصبح فجأة من كبار رجال الأعمال وأسس شركة تمارس أعمال الإنشاء والبناء، وقام مؤخرا بشراء مساحات عديدة من بلدة الطفيل".
وقال إنه "يظهر غالبا برفقة عناصر مسلحة من حزب الله، كما يعرف بعلاقته الوطيدة بالعديد من المسؤولين بالحزب".
ولفت إلى أن دقو يستعين بمجموعة من المواطنين اللبنانيين والسوريين لإجراء عملياته التجارية المشبوهة، ومن بينهم 3 من أشقائه الذين تم توقيفهم معه بعد انكشاف شحنة الكبتاغون التي كانت مرسلة إلى السعودية.
ترس في عجلة حزب الله
ومن جهته، قال العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني جميل أبو حمدان، إن دقو سبق أن حصل على الجنسية اللبنانية، أما أشقاءه الثلاثة فتم قيدهم من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية على أنهم من الجنسية السورية.
وقد تم تأكيد ذلك في قرار توقيف دقو الذي صدر عن النائب العام الاستئنافي القاضي زياد أبو حيدر بتاريخ 19 نيسان/أبريل، حيث ورد اسمه وأسماء 24 شخصا من شبكته وتم إيضاح هويتهم بالكامل.
وتوقع أبو حمدان أن "يحاول حزب الله التملص من مسؤوليته من قضية تصدير الكبتاغون إلى السعودية وغيرها من البلدان".
ووصف دقو على أنه "رجل أعمال سوري له العديد من المشاريع والعلاقات في سوريا ولبنان"، شأنه شأن مئات الشبان الذين زرعهم حزب الله "لممارسة التجارة غير الشرعية وتجارة المخدرات وغسيل الأموال".
وذكر أن واقع أن شحنة الكبتاغون التي وصلت إلى السعودية كان مصدرها سوريا وأعيد تحزيمها في لبنان، يظهر تورط الحزب في عمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا.
وأضاف أبو حمدان أن ذلك يشير أيضا إلى تورط الحزب في الفساد عبر تزوير الوثائق الرسمية وسيطرته على الموانئ البحرية حيث تمت عملية التصدير.
هذا وتثار تساؤلات حول المشاريع التي ينفذها دقو في الطفيل تحت غطاء شركة البناء التي يملكها، وحيث يشارك في عمليات بناء وهدم في منطقة حدودية.
وأشار أبو حمدان إلى أن ذلك يتم بطريقة "تسهل على الحزب عمليات الانتقال بين البلدين، بالإضافة إلى تسهيل قضايا التهريب".
وأكد أنه من المعروف في المنطقة أن دقو يقوم بتلك الأنشطة منذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، وأن الطفيل هي تحت السيطرة الكاملة لحزب الله ولا تستطيع الأجهزة الأمنية اللبنانية تنفيذ واجباتها فيها.