شهدت سوريا خلال السنوات الأخيرة فورة في انتشار شركات الأمن الخاصة إلى حد باتت معه تقوض دور الجيش السوري، علما أن معظمها تابع لقوى أجنبية.
وقال الخبير الأمني والمحلل العسكري والضابط المصري المتقاعد، عبد الكريم أحمد، إنه "من الطبيعي أن يكون في بعض الدول شركات خاصة تقوم بمهام الحراسة وحماية نقل الأموال والأشخاص".
وأضاف أن عمليات الأمن الخاص أصبحت "مصدر دخل مربح لأصحاب رؤوس الأموال"، بالإضافة إلى كونها تشكل نافذة لتأمين الوظائف للمختصين بالشؤون الأمنية.
لكن إنشاء تلك الشركات أصبح في الحالة السورية "منفذا لدول وفاعلين من داخل سوريا وخارجها للقيام بنشاطات وأعمال عسكرية تهدق إلى تنفيذ مخططاتهم"، بحسب ما أوضح.
وأكد أن هذه الأنشطة "تتنافى أساسا" مع الأسباب المعلنة لإنشاء هذه الشركات.
وبحسب أرقام وزارة الداخلية السورية، يوجد في سوريا اليوم عدد كبير من شركات الأمن المرخصة، بلغ عددها الإجمالي نحو 75 شركة.
وتابع أحمد أنه "على الرغم من أنها شركات سورية، إلا أنه يتبين عند التدقيق أنها تابعة بشكل رئيس لأطراف ثلاثة: ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري [بشار الأسد] وإيران وروسيا".
وذكر أن تتبع انتشار هذه الشركات، "يظهر بوضوح أنها باتت تشكل تهديدا لسوريا، خصوصا وأن وجودها يمنع أي جهة حكومية شرعية مسلحة من القيام بالمهام الموكلة إليها".
وأشار إلى أن "هذه الشركات تنتشر في أرجاء مناطق معينة وتسيطر عليها بحيث يمنع على الشركات الأخرى والميليشيات وقوات النظام الدخول إليها".
وأكد أنها حلت مكان قوات النظام العسكرية والأمنية، "وهو أمر لا يضر بالنظام فحسب، بل أيضا بأي عملية سلام قد يجري التداول بها والاتفاق عليها بين جميع الأطراف".
وكما ذكرت التقارير الشهر الماضي، فإن الماكينة العسكرية للنظام السوري، وبعدما ضعفت جراء الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، أصبحت مجرد طيفا لما كانت عليه في السابق، وهي تحصل على الدعم من قوى أجنبية مثل إيران وروسيا على نحو خاص وتقوم بالعمليات تحت إدارتها.
ولم تعد هذه القوات تعمل كجيش متماسك، بل أصبحت تشكل مزيجا من القوات النظامية والميليشيات المتحالفة معها، في حين تتنافس قوى أجنبية للسيطرة على كل منها وتستخدمها لتنفيذ أجندتها الخاصة.
الانتشار في دير الزور
من جهته، قال الناشط من دير الزور فيصل الأحمد، إن "منطقة دير الزور تعتبر في الوقت الراهن مرتعا لشركات الأمن الخاصة".
وأضاف أن "المنطقة كانت تعج بعدد كبير من الميليشيات التابعة للنظام وإيران وروسيا، لكن بعد العام 2017، بدأت شركات الأمن تنتشر وتحل محل الميليشيات".
وذكر أن النمو السريع لشركات الأمن الخاصة جاء وسط "غياب شبه تام لأي مؤسسة عسكرية أو أمنية تابعة للنظام السوري".
وأوضح أنه "بالإضافة إلى عناصر الميليشيات المتورطين بأعمال عنف وجرائم ضد المدنيين، تضم هذه الشركات العديد من أصحاب السوابق والمجرمين وتجار المخدرات الذين وجدوا فيها ملاذا آمنا لهم".
وتابع أن هذه الشركات تصدر لموظفيها بطاقات تعريف وتزودهم أيضا ببطاقات أمنية تحميهم من التعرض لهم من قبل قوات أمن النظام، خصوصا المخابرات العسكرية.
وأكد أن العديد من موظفي هذه الشركات معروفون للأهالي الذين قالوا إنهم يعملون بلا حسيب ولا رقيب، وإنهم "ما يزالون يمارسون نشاطاتهم الإجرامية".
ميليشيات بأسماء أخرى
بدوره، قال المحامي السوري بشير البسام إنه "قبل العام 2013، لم يكن يوجد في سوريا إلا بضع شركات أمن لم يزد عددها عن عشرة، وكانت مهامها محدودة".
وأضاف أنها لم تكن لديها رخص لحمل السلاح، وكانت مهامها مقتصرة على حراسة مداخل منشآت وشركات خاصة.
وأوضح أن "هذا العدد بدأ بالارتفاع التدريجي منذ العام 2013 بعد أن أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 55 بترخيص شركات الأمن".
ونص المرسوم على أن تكون شركات الأمن تابعة لوزارة الداخلية ومكتب الأمن الوطني.
وهذه الشركات مقسمة إلى ثلاث فئات: الشركات التي تضم أكثر من 801 موظف وتلك التي تضم من 501 إلى 800 موظف والتي تضم من 300 إلى 500 موظف.
وتابع البسام أن المرسوم نص على إمكانية حمل الأسلحة الفردية والرشاشة الخفيفة فقط، إلا أن إيران روسيا وماهر الأسد يزودون الشركات التابعة لهم بأسلحة رشاشة ثقيلة وقاذفات صواريخ.
وأكد أن معظم الشركات تخالف القانون بشكل صريح ومباشر، ما ينزع عنها الصفة القانونية والشرعية لممارسة عملها.
واستدرك أن تلك الشركات في شكلها الراهن هي مجرد "صورة جديدة من الميليشيات التابعة لروسيا وإيران والمخابرات العسكرية".