قال خبراء حقوقيون وقانونيون إن السلطات المحلية في مناطق من شمالي غربي سوريا أستعادت قوات النظام السيطرة عليها، تنظم مزادات لبيع أراضي النازحين بعد مصادرتها.
وعلى الرغم من رفض أصحاب الأراضي والجماعات الحقوقية، يتم ذلك لجني الأموال لصالح النظام الذي يعاني من ضائقة مادية ومكافأة المقربين منه ومعاقبة أخصامه.
وفي شمالي غرب البلاد، صادر النظام الأراضي الزراعية وعقارات هجرها سكانها هربا من هجماته وسعيا لإيجاد ملجأ في أنحاء أخرى من البلاد أو خارجها.
وينظم النظام مزادات علنية لبيع هذه الأراضي، وغالبا ما ترسي على مقربين منه ومن منظومته الأمنية.
وفي مناطق أخرى من البلاد، يعمد النظام منذ وقت ليس بالقصير إلى مصادرة أراضي بهدف تنفيذ سياسة التغيير الديمغرافي على أسس طائفيةالتي ينتهجها.
وفي هذا السياق، قال الناشط من ريف دمشق محمد البيك، إن والده وعمه خسرا أملاكهما في الغوطة الشرقية خارج دمشق بعد أن غادرت العائلتان المنطقة عندما ضيقت قوات النظام الخناق عليها.
وذكر أنه "تمت إزالة ركام المنازل المدمرة، وعرضت السلطات المحلية الأراضي للاستثمار".
وأوضح أنه من جهة أخرى، "وضعت وزارة الزراعة يدها على الأراضي الزراعية وجرى إسناد صكوك الملكية إلى المقربين من النظام بعقود حكومية موثقة".
وتابع البيك أن "ذلك حصل كثيرا كإجراء انتقامي ضد العائلات المعارضة للنظام والتي أجبرت على النزوح أو الهجرة بعد استعادة قوات النظام سيطرتها على المنطقة".
مزادات لصالح المقربين من النظام
وقال إنه قبل مغادرة ريف دمشق، قام أحد أقربائه بتوكيل أحد الأشخاص من دمشق لتولي أمور أرضه الزراعية. ولكن رفض النظام الاعتراف بالتوكيل وصادر الأرض ونقل ملكيتها.
وأضاف أن مصادرة الملكيات الخاصة تتم كإجراء انتقامي ضد أخصام النظام، لافتا إلى أن هذه المصادرات "تؤمن مداخيل مالية لخزينة النظام".
وأشار إلى أن كمية المال محدودة، ولكن نظرا للظروف القاسية التي يواجهها النظام تحت عبء العقوبات، فإنه "يحاول الحصول على الأموال بأي طريقة ممكنة".
وفي هذا الإطار، دانت منظمة العفو الدولية عمليات مصادرة الأراضي في معاقل المعارضة السابقة.
وقالت الباحثة في الملف السوري لدى منظمة العفو الدولية ديانا سمعان، إن "مزادات الأراضي هي استغلال للتهجير من أجل مكاسب اقتصادية"، لافتة إلى أن السلطات "تصادر الأراضي بطريقة غير قانونية ومخالفة للقانون الدولي".
وبعد أن سيطرت قوات النظام على مدينة خان شيخون في إدلب بآب/أغسطس، هرب المزارع المحلي حسين الضاهر إلى قرية بالقرب من الحدود التركية، تاركا خلفه منزله وقطعة أرض زراعية كان يملكها.
وقال إنه في ذلك الحين، لم يكن يعرف أن رحيله "سيكون عمليا نهائي لأنني عاجز عن العودة، ووضعت قوات النظام يدها على أرضي المزروعة بالزيتون".
وأضاف أنه "في بادئ الأمر، علمت أن أحد كبار ضباط النظام وضع يده على أرضي ليجبر المجندين على قطف [الزيتون] ويبيعه لحسابه الخاص".
وأردف أنه بعد عدة أشهر، نظمت وزارة الزراعة مزادات لبيع الأراضي الزراعية التي تركها أصحابها.
وتابع أنه "ظاهريا، كل المزادات كانت تجري من قبل رابطة الفلاحين، ولكنها في الحقيقة مزادات صورية إذ ترسي العطاءات دوما على أشخاص معروفين بقربهم من النظام أو بالضباط الأمنيين الكبار".
بيع الأراضي ʼنوع من أنواع العقابʻ
إلى هذا، قال سكان نزحوا من محافظات إدلب وحماة وحلب إن أرضهم قد صودرت، وعلم بعضهم بهذا الأمر من خلال إعلانات نشرها اتحاد الفلاحين التابع للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، قال اتحاد الفلاحين إنه يطرح بالمزاد حق استخدام وزراعة الأراضي المملوكة من سوريين لا يقيمون في المناطق الخاضعة للنظام.
وذكر الاتحاد أن أصحاب الصكوك "مدينون" للمصرف الزراعي التعاوني الذي يقدم قروضا للمزارعين. ومن بين المدينين للمصارف، من يجدون أنفسهم اليوم عاجزين عن تسديد الدفعات من خارج الأراضي الخاضعة للنظام.
وبحسب الهيئة الرقابية "اليوم التالي" والمرصد السوري لحقوق الإنسان، يتم تنظيم مزادات أخرى من قبل لجان أمنية محلية مرتبطة بالنظام دون أي ذكر لديون مستحقة.
وقال الضاهر المزارع من إدلب، "لا أدين بالمال للمصرف الزراعي، كما يدعي النظام".
وأضاف "كانت ديوني تسدد بمواعيدها محددة وهي بالأساس ضئيلة جدا وعبارة عن ثمن البذور والأسمدة، ويجب تسديدها كل موسم قبل الحصول على الأسمدة والبذور الجديدة".
وتابع "بمعنى آخر، ليس هناك مجال لتراكم الديون كما يدعي النظام".
ومن جهته، قال القاضي أنور مجني وهو عضو في لجنة أممية أوكلت إليها مهمة الإشراف على صياغة الدستور الجديد، إن مزادات الأراضي هي "نوع من أنواع العقاب".
وأشار إلى أن "المزادات قد لا تنقل ملكية الأرض، ولكنها تشكل انتهاكا لحقوق" أصحابها بالوصول إليها وزراعتها.
وذكر مجني أنه "لا يوجد إطار قانوني" تخضع له المزادات، لافتا إلى أنه حتى لو نظمها المصرف الزراعي التعاوني لاستيفاء الديون، "فيجب أن يتم ذلك بإشراف من القضاء".