أشاد العراقيون بإعلان الفاتيكان يوم الإثنين 7 كانون الأول/ديسمبر أن البابا فرنسيس سيقوم بأول زيارة بابوية للعراق في أوائل شهر آذار/مارس المقبل.
ويأمل الكثيرون بأن تساعد هذه الزيارة التاريخية على تعافي البلاد بعد سنوات من الحرب والعنف.
وستكون هذه أول رحلة خارجية يقوم بها الحبر الأعظم منذ أكثر من عام ، بعد أن ألغى الفاتيكان جميع الزيارات الخارجية التي كانت مقررة لهذا العام بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وكان الرئيس برهم صالح قد دعا البابا فرانسيس رسميا لزيارة العراق عام 2019، لكن جميع رحلات البابا ألغيت في حزيران/يونيو من هذا العام بسبب الجائحة.
ويشمل مسار الرحلة زيارات إلى بغداد ومدينة أور الجنوبية - ويقال إنها المدينة التي ولد فيها النبي إبراهيم - والمركز المسيحي لمحافظة نينوى.
وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قد سيطر عام 2014 على سهل نينوى، دافعا بمئات الآلاف من المسيحيين إلى النزوح خشية تعرضهم للقتل أو إجبار المقاتلين المتطرفين لهم للتحول عن دينهم وإشهار إسلامهم.
وعن الزيارة، قال بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق، لويس ساكو، إن هذه الزيارة ستكون الرحلة الأولى التي يقوم بها البابا إلى الخارج منذ تفشي الجائحة في إيطاليا، والعراق يعتبر وجهة مثالية.
وأضاف ساكو أن "زيارة أور هي زيارة لإبراهيم والد جميع المؤمنين. إنها حج، حج لزيارة عائلة إبراهيمية عليه أن يجمع الناس معا لا أن يبعدهم عن بعضهم البعض".
وأكد أن هذا الأمر"خاص بالعراق وحده - ولا يستطيع البابا القيام بذلك في أي مكان آخر".
ويوم الثلاثاء، قال الرئيس العراقي برهم صالح على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، إن زيارة البابا "ستكون رسالة بليغة لدعم العراقيين بمختلف أطيافهم، وتؤكد وحدة الإنسانية في التطلع إلى السلام والتسامح ومجابهة التطرف".
وفي بيان صدر يوم 7 كانون الأول/ديسمبر، أعربت الخارجية العراقية عن ترحيبها بالزيارة.
وقالت: "إنها ستكون رسالة سلام الى العراق والمنطقة بأجمعها، وتؤكد وحدة الموقف الإنساني في مجابهة التطرف والصراعات، وتعزز التنوع والتسامح".
’فرح عظيم‘
أما رئيس قائمة الرافدين المسيحية في البرلمان العراقي يونادم كنا، فقال لدريانا: "استقبلنا خبر الزيارة بفرح عظيم. إنها خطوة مباركة ومرحب بها من كل العراقيين على اختلاف انتماءاتهم".
وأضاف أن "قداسة البابا فرنسيس كان يتطلع منذ فترة طويلة لزيارة العراق ومدنه التاريخية كمدينة أور"، مشيرا إلى الحبر الأعظم كان دوما يصلي من أجل أن يعم السلام في البلاد.
وأكد أن هذه الزيارة ستترك آثارا إيجابية على المجتمع العراقي لأنها ستعزز أواصر المحبة والتصالح المجتمعي. إلى هذا، فهي ستعكس صورة للعالم "بأن العراق ليس مكانا للتطرف والإرهاب وانما للانفتاح والسلام".
وفي قداس الصباح في قرية كرملاش العراقية التي كانت واقعة تحت سيطرة داعش، عادة ما تكون الأجواء كئيبة. لكن هذا الأسبوع، كان المسنون من أبناء الرعية مبتهجون بنبأ زيارة البابا فرانسيس في العام المقبل.
من جهتها، قالت أديبة حنة البالغة من العمر 45 عاما وهي تبتسم في الهواء البارد بعد أداء الصلاة في كنيسة القديس أداي الكلدانية في مرتفعات نينوى بشمالي العراق: "جميعنا سعداء للغاية. ننتظر هذه الزيارة منذ فترة طويلة".
"في كل مرة يزور فيها بلدا نسأل لماذا لا يأتي إلى العراق؟ ألا يوجد مسيحيون في العراق؟ هذا أعظم وأجمل خطوة يمكن أن يقوم بها".
تشجيع المسيحيين للعودة إلى منازلهم
من جهته، أمل مدير دائرة الزراعة في نينوى دريد حكمت طوبيا بأن تشجع الزيارة السكان المسيحيين على العودة.
وقال لديارنا "نتمنى بأن تشكل بادرة لطمأنة الأسر المسيحية النازحة جراء الإرهاب بالرجوع إلى مناطقها الأصلية".
وأضاف أن الكثير من المسيحيين ما يزالون يخشون العودة على الرغم من استقرار الأوضاع الأمنية، فالموصل مثلا والتي كانت تضم ثلاثة آلاف أسرة مسيحية لا توجد فيها الآن سوى العشرات من هذه العائلات.
وفي السابق، كان عدد المسيحيين في العراق نحو 1.5 مليون نسمة، لكن الصراعات دمرت هذا المكون المجتمعي ويقدر أنه لم يعد يوجد اليوم في البلاد سوى نحو 400 ألف مسيحي.
وأكد طوبيا إن "زيارة البابا من شأنها إنعاش وتعزيز التكاتف المجتمعي بين كافة المكونات الاثنية العراقية والذي ميز بلادنا على مر العصور".
ولفت إلى أن هكذا زيارات لشخصيات كبيرة أو رؤساء دول "تفتح آفاقا رحبة للازدهار"، وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للعراق الذي يسعى إلى طي صفحة عهد الإرهاب وإعادة بناء اقتصاده عبر استقطاب الاستثمارات.
وقال الناشط المسيحي رامي حنا لديارنا إن "هذه التفاتة طيبة من البابا لتسليط أنظار العالم على بلادنا، وتعكس اهتمام قداسته بتاريخ هذه البلاد وحضارتها وصلاواته من أجل أن تسترد عافيتها وتتخلص من أعباء الحروب والإرهاب".
وختم مشددا على أن هذه "الزيارة هي دعوة للمسيحيين المتبقين في العراق للتمسك ببلادهم والبقاء فيها والمشاركة في إحياء هويتها الثقافية وتعدديتها، وإغنائها بالمساهمات الفكرية والعلمية والأدبية".