ينصب اليمني هادي أحمد هادي بضجر خيمة في محافظة مأرب اليمنية بعد الفرار من القتال مرة أخرى في آخر معاقل الحكومة في الشمال، الذي يتعرض لضغط شديد من الحوثيين (أنصار الله) المدعومين إيرانيًا.
ويسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، التي تقع على بعد 120 كم، منذ القيام بانقلابهم في أيلول/سبتمبر 2014، ويشنون الآن حملة شرسة للاستيلاء على المحافظة الغنية بالنفط.
وإذا نجحوا في ذلك، سيكون الأمر كارثيا للحكومة وأيضا لمئات الآلاف من النازحين الذين لجأوا إلى مخيمات مهجورة والذين سيضطرون للفرار للنجاة بحياتهم مرة أخرى.
واشتدت المعارك في الأسابيع الأخيرة بين الجانبين وأصبحت الآن تهدّد المخيمات، بما فيها مخيم السويداء الذي يقع شمال مدينة مأرب، حيث وصل هادي وزوجته وأطفاله السبعة في شهر آب/أغسطس.
وهم يتقاسمون بقعة من الأرض مساحتها كيلومتر واحد مع 700 أسرة أخرى، وقد حاولوا جعل خيمتهم ذات الإطار المعدني مسكنًا لهم بأفضل ما يستطيعون، حيث وضعوا مبردًا يأملون في أن يقوموا بتوصيله بمولد كهرباء.
وقال هادي "حتى هذه اللحظة، هربنا خمس مرات"، فيما جلس أطفاله بالقرب من مقتنيات ضئيلة أثناء قيامه بتجهيز آخر مساكنهم. "وصلنا إلى هذا المخيم الذي لا توجد فيه أية مقومات للحياة".
وروى هادي كيف أنهم اضطروا للهروب من مديرية نهم، شمال صنعاء، بعدما اقتربت المعارك منهم.
وأضاف "في كل مرة ننزح فيها (...) أحاول طمأنتهم بأننا سنستقر. نترك أغراضا كثيرة ورائنا في كل لأننا غير قادرين على حملها".
كانت ملاذًا
وحتى أوائل عام 2020، تم تجنيب مدينة مأرب أسوأ ما في الصراع بفضل أهميتها الاستراتيجية واحتياطيات النفط والغاز فيها، وأيضًا بسبب قربها من الحدود الشمالية لليمن مع السعودية.
وأصبحت مأرب ملاذًا للكثير من النازحين في السنوات الأولى من الحرب التي استمرت خمس سنوات، حيث استقبلت الذين أملوا في بداية جديدة، لكن هذا الاستقرار النسبي تبخر وأصبح السكان الآن في مرمى النيران مع اندلاع القتال بين الجانبين للسيطرة عليها.
وكان من بين الذين هربوا وتوجهوا الى مأرب أطباء ورجال أعمال أثرياء، لذا سرعان ما ارتفعت أسعار العقارات بعد وصولهم.
وبدأت الأعمال تزدهر في المدينة، مع افتتاح المطاعم والمشاريع الأخرى، إلى أن هددت المعارك التي اندلعت فيها هذا العام كل ما تم إنشاؤه وعرضتها لخطر السقوط في أيدي الحوثيين.
وتقول مصادر عسكرية حكومية إن الحوثيين يضيقون الخناق على المدينة من ثلاثة اتجاهات، وإنهم يرسلون مئات المقاتلين للمشاركة في المعركة.
ويرى ماجد المذحجي، من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أنّ الصراع "يشكل أعلى معدل قتال في اليمن من ناحية عدد المعارك".
وقال إن ما يحدث الآن هو "حرب استنزاف".
وكما هي الحال في المناطق الأخرى باليمن، حيث قتل عشرات الآلاف ونزح نحو 3.3 مليون آخرين، فإن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن الأكبر.
إذا سقطت مأرب، فإن ذلك سيحدث في وقت اضطرت فيه الأمم المتحدة إلى تقليص برامجها في اليمن بسبب نقص التمويل حيث أثر التباطؤ الذي سببه فيروس كورونا على الدول المانحة.
وقالت منسقة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة لليمن ليز غراندي "إذا حدث الأسوأ واضطروا للفرار، سنفعل كل ما في وسعنا لمساعدتهم، لكن هذا سيكون أمرًا صعبًا".
وأضافت "ليس لدينا إمكانيات كافية على الأرض وليس لدينا ما يكفي من تمويل".
'سئموا من الحياة'
هذا ولا يتضح عدد النازحين في مأرب، حيث أنه من الصعب إحصاء الأشخاص الذين يقيمون مع المجتمعات المضيفة والأقارب، كما أن البعض الآخر فروا إلى المناطق الصحراوية بعيدًا عن الوكالات الإنسانية.
ومع وجود 140 مخيما للنازحين في الوقت الحالي بالمحافظة، فإن بعض المصادر تقدر عدد النازحين بمليون نازح، وقبل الاشتباكات الأخيرة، قدرت الأمم المتحدة العدد بنحو 750 ألفًا.
وأوضحت المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية أوليفيا هيدون أن "نحو 80 بالمائة من القادمين الجدد على مدار الشهر المنصرم لم يجدوا أي مكانًا للذهاب إليه واضطروا للاستقرار في مخيمات مزدحمة للغاية".
وأضافت أن "هذا أمر يبعث على القلق العميق حيث أن النظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي هامان للغاية في مكافحة فيروس كورونا (كوفيد-19)".
هذا وقد تزوج ابن هادي، وقريبًا ستضطر الأسرة لمشاركة خيمتهم مع ابنه المتزوج وزوجته الحامل.
وقال هادي "أتحمل الوضع برحابة صدر لإيماني بالله، لكن نفسية الأطفال وزوجتي مدمرة. لقد سئموا من الحياة".
وتابع "في حال نزحنا مرة أخرى، ستكون كارثة حقيقية علينا. إلى أين سنذهب؟".