منذ إعلان حزب الله عن تمسكه الجازم بالمنظومة السياسية الراهنة في لبنان، وبعد الانفجار الدموي الذي هز العاصمة بيروت، يواجه غضبا واحتقارا شعبيين عارمين كان حتى تاريخه بمنأى عنهما.
وفي وقت ما يزال فيه الحزب القوي اللاعب المهيمن في لبنان، تحطم مع الانفجار الموقع الخاص الذي كان يتمتع فيه كما حاجز الخوف الذي أحاط نفسه به.
وفي مشهد كان مجرد تخيله مستحيلا منذ أشهر قليلة، انضم مجسم لزعيم حزب الله حسن نصر الله إلى مجسمات سياسيين أخرين علقها متظاهرون على مشانق في محاسبة افتراضية نظموها الشهر الجاري.
وقال الناشط في الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فارس الحلبي، إنه في "الساعات الأولى التي أعقبت الانفجار، حمل العديد من الناس مسؤوليته لحزب الله".
وقال إنه خلال العام الماضي، "في البداية، كان ثمة اتفاق ضمني بين الثوار على تحييد موضوع حزب الله وسلاحه".
والحزب هو الفصيل الوحيد الذي ما يزال يحتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. وفيما قدراته العسكرية تنافس تلك التي تتمتع بها الدولة، يعتبر الكثيرون أن الحزب يشكل العقبة الأكبر أمام ولوج باب الإصلاحات الديموقراطية.
وكانت المحكمة الخاصة بلبنان في هولندا قد نطقت يوم الثلاثاء بحكمها في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، فجاء ليدين غيابيا بارتكاب هذه الجريمة العضو في حزب الله سليم عياش.
ومع أن التحقيق لم يجد أي دليل قاطع حول ارتباط قيادة حزب الله مباشرة بعملية الاغتيال، شدد على الطبيعة السياسية الواضحة لهذه الجريمة.
وتعليقا على الحكم، لفت وزير الخارجية الأميركي، مارك بومبيو، إلى أن "عناصر حزب الله لا يعملون لحسابهم الخاص".
ومع انخراطها في مستنقع مجريات الحياة السياسية، عرضت الميليشيا نفسها للمساءلة حول تقاعس الدولة في مجالات عدة، إن لم نقل لتحميلها مسؤولية هذا الأداء.
ومهما ستكون نتائج التحقيقات حول أسباب الانفجار الذي هز المرفأ في 4 آب/أغسطس وأودى بحياة أكثر من 180 شخصا، يجد العديد من اللبنانيين أنفسهم متفقين على أمر واحد، وهو أن النخبة الحاكمة الفاسدة هي الجاني الحقيقي.
وأيا كان المالك الفعلي لمخزون نيترات الأمونيوم الذي انفجر ودمر مساحات شاسعة من بيروت، فقد كان جميع أقطاب السلطة التي يسيطر عليها حزب الله على علم بوجوده.
وعندما حاول المتظاهرون العام الماضي إسقاط النظام في مشهد وطني نادر عابر للطوائف، كان حزب الله هو من هب لإنقاذ أباطرة الطبقة السياسية اللبنانية الذين يتوارثون الحكم.
’الحاكم الفعلي‘
وقال المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات سامي عطالله: "بالنسبة لي، كان هذا التصرف معبرا جدا. فقد كان يمكن لحزب الله أن ينأى بنفسه عن لعب هذا الدور، لكنه اختار حماية المنزل الذي يتداعى".
إلى هذا، كانت الهالة التي تحيط بنصر الله كزعيم ديني قد جعلت الإساءة إليه بمثابة الإساءة إلى الذات الملكية، فكان أشد خصومه يفكرون مرتين قبل الإجهار برأيهم فيه كما يفعلون بكل جرأة مع سياسيين آخرين.
هذا الانضباط انهار بعد انفجار 4 آب/أغسطس مع صب الشعب جام غضبه على القادة السياسيين وبينهم نصر الله في مشهد لم يعرفه لبنان سابقا.
فكثير من اللبنانيين اعتبروا أن الانفجار شكل أقوى دليل حتى الآن على أن الفساد يقتل. ومع تحرر الألسنة، لم تعد السخرية من حزب الله تعتبر من المحرمات.
وتداول اللبنانيون على نطاق واسع لقطتين لنصر الله من شريطين مصوريين، واحدة وهو يحبس دموعه حزنا على مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني، وأخرى بعد انفجار بيروت تناقض تماما الأولى إذ يظهر فيها هادئا ومبتسما.
وأوقعت أسوأ كارثة عرفها لبنان في زمن السلم 6000 جريح ومشوه، وتركت 70 ألف شخص عاطلين عن العمل ومئات الآلاف دون منزل يأويهم.
وأكد العديد من الضحايا المتضررين أنهم لن يغفروا للدولة فشلها في منع الانفجار، إضافة إلى فشلها في الاستجابة لتداعياته بالشكل المناسب.
وقال الناشط ناجي أبو خليل، إنه قبل الانفجار، "تمكن حزب الله من تصوير نفسه كحزب غير تقليدي ومناهض للسلطة".
وأضاف أبو خليل العضو أيضا في اللجنة التنفيذية لحزب الكتلة الوطنية الإصلاحي والعلماني، أن "صورة حزب الله كطرف في الحكومة شأنه شأن بقية الأطراف، تهيمن الآن على صورة حزب المقاومة".
ولطالما تمتع حزب الله بأفضل ما يوفره عالما السلطة والمقاومة، فهو من جهة يتمتع من وراء الكواليس بنفوذ هائل دون أن يضطر من جهة أخرى إلى تحمل علنا مسؤولية قراراته.
لكنه أدرك اليوم أن موقع صانع القرار الرئيس يأتي مع سلبيات عدة، حسبما قال حلبي في إشارة إلى سيطرة الحزب وحلفائه على البرلمان والحكومة.
و قال"حزب الله هو الحاكم الفعلي وكل شيء يحصل تحت نظره، والحاكم الفعلي هو دائماً من يتحمل المسؤولية عن أي نتائج سلبية تحدث".