ظهرت الحكومة اللبنانية يوم الاثنين، 10 آب/أغسطس مترنحة، مع توالي استقالة الوزراء ككرة ثلج إثر التفجير الدموي الذي وقع في مرفأ بيروت، ومع عدم إظهار المحتجين الغاضبين في الشوارع أي بوادر للتراجع عن تحركهم.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء الذي بدا ضعيفا أمام العاصفة السياسية بعد ظهر اليوم، وسط مطالب واسعة لتغيير النظام السياسي الراسخ الذي تهيمن عليه المصالح الطائفية والوراثة السياسية.
وبعد ستة أيام من الانفجار الكيميائي الهائل الذي خلف دمارا في مساحات شاسعة من العاصمة ووصلت تردداته إلى أماكن بعيدة مثل جزيرة قبرص، ما يزال السكان والمتطوعون يعملون على إزالة الأنقاض من الشوارع.
وواصلت فرق الإنقاذ الدولية المزودة بكلاب بوليسية ومعدات متخصصة عملها في "مكان الانفجار" المتفحم من حجم الكارثة، علماً أن البحث جار حاليا عن جثث ضحايا وليس عن ناجين محتملين.
ووفقا لإحصاءات وزارة الصحة، خلف الانفجار ما لا يقل عن 158 قتيلا و6000 جريج، وشكل أسوء كارثة يشهدها لبنان في وقت السلم.
وفي حين تعهد كبار المسؤولين في البلاد بإجراء تحقيق سريع وشامل، رفضوا تلبية مطلب المحتجين بإجراء تحقيق مستقل يقوده خبراء أجانب.
وحتى الآن، أعرب أربعة وزراء عن عجزهم في الاستمرار بعضوية حكومة لم تظهر أي نية لتحمل مسؤولة الكارثة التي حصلت أو لوضع موارد الدولة في خدمة الضحايا.
استقالات
ويوم الاثنين، استقال وزير المالية غازي وزني في رابع استقالة من الحكومة القابعة تحت وابل من الانتقادات.
وتأتي استقالته لتعجل من انهيار حكومة رئيس الوزراء حسان دياب بأكملها، نتيجة للانفجار الذي أشعل احتجاجات غاضبة في الشوارع.
وفي وقت سابق من اليوم نفسه، أعلن مكتب ماري كلود نجم استقالتها من منصبها كوزيرة للعدل، بعد استقالة وزيري الإعلام والبيئة يوم أمس.
وكان تسعة نواب قد أعلنوا استقالتهم احتجاجا على ما حصل ويحصل، إضافة إلى اثنين من كبار المسؤولين في بلدية بيروت. وتعتبر الحكومة مستقيلة في حال استقالة ثلث وزرائها البالغ عددهم 20 وزيرا.
وقال مسؤول أمني يوم الأحد، إن الانفجار الذي وقع في 4 آب/أغسطس كان هائلا لدرجة أنه لم يغير مشهد أفق بيروت فحسب بل غير أيضا ملامح ساحلها على البحر المتوسط، تاركا حفرة بعمق 43 مترا.
ومع ذلك، يبقى من غير الواضح إذا ما كانت هذه الكارثة ستترك آثارا طويلة المدى على المشهد السياسي في لبنان.
وكان دياب قد ألقى مساء السبت خطابا متلفزا اقترح فيه إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، إلا أن كلامه لم يقنع المحتجين وعمدوا خلال إلقائه كلمته إلى اقتحام عدد من الوزارات وتخريبها.
ولم يهدأ الغضب من هول الانفجار إذ تواصلت الاحتجاجات مساء يوم الأحد، لتندلع مجددا أعمال العنف في شوارع وسط بيروت.
مساعدات ’مباشرة‘
وأعرب المتظاهرون عن أسفهم لاستخدام قوات الأمن للغاز المسيل للدموع ضد ضحايا الانفجار، بدلا من مساعدتهم في تنظيف منازلهم المحطمة وإيجاد سقف يأويهم.
وينتظر الكثير من اللبنانيين ليروا كيف سيعبر إيصال المساعدات بحر نظام معقد وراسخ من المحسوبية المناطقية والطائفية.
وكانت منظمات إغاثة لبنانية قد حذرت المانحين الأجانب من أن أي مساعدة مالية قد تتبخر وتذهب لاستخدامات أخرى.
وضاعفت الكارثة التي هزت بيروت من الأزمة الاقتصادية الهائلة التي يمر بها لبنان، والتي هوت خلال الأشهر الأخيرة بأكثر من نصف سكانه إلى مستوى خط الفقر.
وأثار تدمير المرفأ وإهراءات الحبوب الضخمة مخاوف من أن تشهد الأسابيع المقبلة شحا في المواد الغذائية، خصوصا وأن لبنان يعتمد في أمنه الغذائي على الاستيراد.
وتأتي جائحة كورونا لتضيف مشكلة أخرى على مشاكل لبنان، لا سيما مع ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس يوميا وبلوغه مستويات قصوى جديدة تزيد الضغط على المستشفيات التي تعالج ضحايا الانفجار وعشرات الجرحى الذين أصيبوا خلال قمع الاحتجاجات.