يواصل الكرملين عبر مجموعة فاغنر وهو جيش المرتزقة التابع له، دعم الجهود الفاشلة التي يبذلها القائد العسكري خليفة حفتر لإسقاط الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.
ويشكل سعي موسكو للسيطرة على البلاد إحراجا متزايدا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما في ظل ما يرد من معلومات عن خلافات بين حفتر والمرتزقة وسلسلة الخسائر التي لحقت بالجيش الوطني الليبي في ساحة القتال.
ومجموعة فاغنر التي يتراوح عدد المرتزقة فيها بين 800 و1200 عنصر بحسب مجلس الأمن للأمم المتحدة، تنفذ مشروع بوتين حول العالم تحت غطاء سياسة الإنكار.
وإضافة إلى تدخلاتها في الصراع الليبي، كانت مجموعة فاغنر ولا تزال ناشطة في عدد من البلدان حول العالم، بما في ذلك سوريا والسودان وفنزويلا ومدغشقر وغيرها.
وتقف مجموعة فاغنر بالتنسيق مع الجيش الروسي، وراء الحرب الأهلية في أوكرانيا الشرقية، كما أنها لعبت دورا أساسيا في قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية في العام 2014.
وقد كان لدعم الكرملين للرئيس السوري بشار الأسد، أثر كارثي ترافق بإراقة الدماء.
وأسفرت المجزرة التي دارت في ليبيا عن مقتل المئات ونزوح أكثر من 200 ألف شخص في سياق محاولة حفتر على مدى عام من الزمن السيطرة على طرابلس، بحسب ما ذكرته منظمة الهجرة الدولية.
ألغام روسية الصنع
كذلك، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يوم الأحد، 28 حزيران/يونيو، إن الألغام والعبوات الناسفة التي تركت في المناطق السكنية بعد معارك دامية دارت في مطلع العام الجاري، قد أدت إلى مقتل أو إصابة أكثر من 100 مواطن ليبي منذ بداية شهر حزيران/يونيو.
وجاء في بيان صدر عن البعثة أن "الألغام والعبوات الناسفة [التي زرعت] في المنازل أو بالقرب منها أسفرت عن سقوط أكثر من 100 ضحية"، بينهم مدنيين ومتخصصين في تفكيك الألغام.
ولم تكشف البعثة عن عدد مفصل للقتلى أو الجرحى.
وورد التقرير عقب اتهامات وجهتها حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا ومنظمة هيومن رايتس ووتش مفادها أن القوات الموالية لحفتر زرعت ألغاما في الضواحي الجنوبية السكنية للعاصمة.
كذلك، شاركت القوات التابعة للحكومة الشرعية صورا على تويتر في 29 أيار/مايو، تظهر 4 أنواع من الألغام الأرضية المضادة للأفراد والمصنعة في الاتحاد السوفيتي أو في روسيا، مدعية أنها "زرعت من قبل مرتزقة فاغنر" في أحياء طرابلس السكنية.
وبدورها، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في 3 حزيران/يونيو، إن "الألغام الأرضية المضادة للأفراد هي من أصل سوفيتي وروسي وتشمل... ألغاما لم توثق سابقا في ليبيا، مما يشير إلى احتمال أن تكون تلك الألغام قد نقلت إلى داخل البلاد في السنوات القليلة الماضية".
درب الموت
وإضافة إلى مقتل المدنيين جراء الألغام الروسية الصنع، تم اكتشاف مقابر جماعية في المناطق التي كانت خاضعة في السابق لقوات حفتر.
فعثرت السلطات على مقبرة جماعية جديدة في 28 حزيران/يونيو بعد انسحاب حفتر من ترهونة، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن لسان القوات الموالية للحكومة.
واستعادت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في 5 حزيران/يونيو السيطرة على ترهونة التي شكلت آخر معقل لحفتر في الغرب.
وجاء في بيان نشرته القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني على موقع فيسبوك، أنه "تم اكتشاف واستخراج 9 جثث يوم الأحد [28 حزيران/يونيو]... في موقع يشتبه باحتوائه على مقابر جماعية في بلدة ترهونة".
وتابع البيان أن السلطات لا تزال تبحث عن مقابر جماعية محتملة أخرى "تركتها خلفها عصابات الكاني الإجرامية، وهي ميليشيا تابعة لحفتر".
وكانت القوات الحكومية قد ذكرت في وقت سابق من حزيران/يونيو، أنها اكتشفت 8 مقابر جماعية محتملة أخرى، غالبيتها في ترهونة ومحيطها، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وعبّرت الأمم المتحدة عن "صدمتها الشديدة" إزاء التقارير.
وفي 22 حزيران/يونيو، أرسلت الهيئة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بعثة لتحصي الحقائق إلى ليبيا لتوثيق الانتهاكات التي ارتكبت منذ العام 2016، في حين قال المدعي العام في محكمة جنائية دولية إن المقابر الجماعية التي تم اكتشافها قد تشكل دليلا على جرائم حرب.
الكرملين جاهز للاستفادة
ومع انسحاب الجيش الوطني الليبي تاركا الموت خلفه، تستغل موسكو حالة الفوضى لكسب حصة من القطاع النفطي الليبي وتحقيق أرباح طائلة في نهاية المطاف.
هذا وذكرت مؤسسة النفط الوطنية في ليبيا ببيان نشرته على موقعها الإلكتروني أن "مرتزقة روس ومن جنسيات أجنبية" دخلوا في 25 حزيران/يونيو إلى حقل نفطي مهم بجنوب ليبيا.
وأوضحت أن المرتزقة دخلوا إلى حقل شرارة النفطي في موكب من المركبات، والتقوا بممثلين عن حرس المنشآت النفطية.
ودان رئيس مؤسسة النفط الوطنية مصطفى صنع الله التدخل الأخير في حقل شرارة الذي يقع في منطقة أوباري على بعد نحو 900 كيلومتر من طرابلس.
وقال "نفط ليبيا هو للشعب الليبي، وإني أرفض كليا محاولات الدول الأجنبية لمنع استئناف الإنتاج النفطي".
وتابع "لسنا بحاجة إلى المرتزقة الروس أو الأجانب في الحقول النفطية الليبية، حيث هدفهم منع إنتاج النفط".
وأضاف "بينما يستمر دفع المرتزقة الأجانب مبالغ طائلة لمنع شركة النفط الوطنية من القيام بواجباتها الأساسية، فإن بقية السكان الليبيين يعانون، ليس فقط من غياب عائدات النفط ولكن أيضا عبر خسارة الدولة مع التدهور الكارثي لبنيتنا التحتية النفطية جراء التآكل وعدم قدرة موظفي المؤسسة على إجراء أعمال الصيانة اللازمة".
يُذكر أن إنتاج حقل شرارة يصل عادة إلى 315 ألف برميل في اليوم، أي ما يشكل ثلث إنتاج النفط الخام في ليبيا.
وتعد صادرات النفط مصدر معظم عائدات الدولة، وتملك ليبيا أكبر احتياطيات النفط الخام المثبتة في أفريقيا.