قال مراقبون إن قرار طهران بإعادة إطلاق الأعمال التجارية في ظل استمرار ارتفاع حصيلة ضحايا وباء كورونا (كوفيد-19) المستجد في البلاد، يشير إلى عدم قدرة النظام على السيطرة على الوضع إلى جانب سوء إدارته للأزمات وتفضيله تحقيق الأرباح على سلامة الشعب.
وأعلن الرئيس حسن روحاني في 29 نيسان/أبريل "في ظل عدم معرفة موعد زوال هذا الفيروس، نستعد للعمل والتحرك والاعتماد على العلم".
وقال في اجتماع متلفز لمجلس الوزراء، "علينا اتباع كل التعليمات الطبية، ولكن العمل والإنتاج هما بأهمية هذه التدابير الوقائية".
وبعد يوم من ذلك، أعلنت وزارة الصحة تجاوز حصيلة من راحوا ضحية الفيروس سقف الـ 6000 حالة.
وذكر المتحدث باسم الوزارة كيانوش جاهانبور في تصريحات بثت على محطات التلفزيون، "مع فقداننا 71 من أبناء بلدنا في الساعات الـ 24 الماضية، يكون عدد حالات الوفاة الناتجة عن كوفيد-19 قد وصل إلى مجموع 6008 حالة".
ويوم الاثنين، 4 أيار/مايو، ارتفع هذا العدد إلى 6203 حالة وفاة، بينما بلغ عدد الأشخاص الذين خضعوا للفحص وثبتت إصابتهم بالفيروس 97424 شخصا.
موجة ثانية من الإصابات
وفي ظل تواصل ارتفاع حصيلة الموتى والمصابين، انتقد كثيرون قرار تخفيف قيود التنقل وإعادة فتح الأعمال التجارية، معتبرين أن ذلك ينذر بموجة ثانية من الإصابة بالفيروس.
وقال علي أكبري وهو عضو في البرلمان الإيراني وأصله من مدينة شيراز، "كان فيروس كورونا تحت السيطرة قبل 10 أيام في محافظة فارس، ولكن بعد رفع حظر التجوال والسماح بحرية التنقل، ازداد عدد الإصابات بالفيروس".
وذكر في مقابلة مع وكالة أنباء العمل الإيرانية التابعة للدولة الإيرانية، نشرت في 24 نيسان/أبريل، "اليوم، هناك مخاوف كثيرة من موجة ثانية لتفشي فيروس كورونا في البلاد، ولكني أعتقد أن من يستطيع منع حدوث مثل هذه الموجة هو الشعب نفسه".
وأكدت وكالة أي.أن.أي الإخبارية مخاوف أكبري، ذاكرة في 28 نيسان/أبريل أن عدد المرضى الجدد "قد ارتفع مجددا".
ونقلت الوكالة، "توقع خبراء كثيرون أننا سنشهد موجة جديدة من تفشي فيروس كورونا في البلاد في أواخر نيسان/أبريل ومطلع أيار/مايو".
وذكرت أن تزايد الحالات هو نتيجة تصرفات الناس خلال عطلة نوروز وبعدها.
وفي هذا السياق، قال المدير الإقليمي لمنطقة شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية في 28 نيسان/أبريل، "من المرجح أن يؤدي الرفع المبكر لإجراءات التباعد الاجتماعي إلى انتشار سريع لكوفيد-19 وإلى موجة ثانية من الحالات".
تقارير غير دقيقة عن حالات الإصابة المؤكدة
وبالرغم من التحديثات شبه اليومية التي تصدرها وزارة الصحة، قال العديد من المراقبين إن الحكومة لا توفر أرقاما دقيقة عن عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن كوفيد-19 في إيران.
وذكر مصدر من منظمة الصحة العالمية لموقع "إيران واير" الفارسي في 26 نيسان/أبريل، أن "عدد ضحايا فيروس كورونا في إيران لا يقل عن الـ 20 ألف ضحية".
وأشار المصدر إلى أن النظام الإيراني تمكن بتدخل من الحرس الثوري الإيراني، من خفض عدد الوفيات المعلنة إلى حد كبير مقارنة بالأرقام الفعلية.
وقد نقلت إیران انترناشونال في 27 نيسان/أبريل، أن الإحصائيات المرتبطة بنتائج الفحوصات الإيجابية للمصابين بفيروس كورونا في بعض المحافظات، لم تسجل في نظام معلومات المستشفيات التابع لوزارة الصحة.
فأظهرت وثائق أن نحو 70 في المائة من حالات الإصابة بالفيروس لم تُضمّن في التقارير الرسمية، كما تم تأخير بعض عمليات تسجيل معلومات المرضى لمدة 3 أيام إلى أكثر من 20 يوما.
وفي هذا الإطار، قال الصحافي حسين رجابي المقيم في طهران للمشارق "للأسف، تم تحويل إدارة قطاع الصحة في إيران إلى المؤسسات العسكرية، ويجهل هؤلاء الأفراد تماما حقيقة ما يجري".
وأضاف "من جهة، يخفون الإحصائيات الحقيقية، ومن جهة أخرى يدعون أن الوضع تحت السيطرة".
وتابع "جميع الخبراء في المجال الصحي متخوفون من موجة ثانية لتفشي فيروس كورونا في إيران، إلا أن الحكومة خففت من القيود على السفر والحجر الصحي وتتوقع أن يعود الناس إلى حياتهم الطبيعية"، مشيرا إلى أن ذلك "أدى إلى ظهور فيروس كورونا مجددا".
وقال "للأسف، يتواصل إخفاء المعلومات ونشر الأرقام الخاطئة، علما أن هذه كانت جزءا من سياسة البلاد الهادفة إلى معالجة الوضع منذ البداية".
وتابع "طُلب من الصحف والصحافيين بالنيابة عن وزارة الثقافة والمرشد الإسلامي، نشر الإحصائيات الرسمية فقط. ولا يسمح للمستشفيات والطاقم الطبي بنشر بياناتهم الخاصة. وقد حُذر حتى النواب وأعضاء المجالس المدنية من قول الحقيقة".
وأضاف "استنادا إلى تقارير أعدها زملائي، فإن الحصيلة الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا هي أكبر بمعدل 6 أو 7 مرات مقارنة بالأرقام الرسمية. أما عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم جراء الوباء، فهو أكبر بمعدل 4 مرات من الرقم الرسمي الذي تراوح بين 20 و25 ألف".
وأشار إلى أنه "في العديد من الحالات، يتم تسجيل... سبب وفاة آخر تحت ضغط من الأجهزة الأمنية".
الأولوية للأرباح لا للأرواح
وبدوره، قال الخبير السياسي كريم صمديان إن "التعامل المتهور" للنظام الإيراني مع أزمة كورونا قد "كشف عن مدى انعدام قدرة الهيئات الحكومية بما فيها الحرس الثوري الإيراني، وفسادها".
وأوضح للمشارق "حتى في ظروف أودت بأرواح آلاف الناس، لا تزال المؤسسات الحكومية تسعى إلى تحقيق الأرباح".
وذكر أن تقارير تحدثت عن معدات حماية وأدوية حتى "توفرها بعض المؤسسات الخاضعة لسيطرة آية الله خامنئي [المرشد الأعلى في إيران]، وتباع بأسعار مضاعفة".
وأضاف أن استيراد هذه المنتجات الصحية، بما في ذلك القفازات والكمامات، "تخضع للاحتكار من قبل المؤسسات التابعة التي لا يمكن التدقيق في عملياتها".
وقال مشيرا إلى الوثائق التي نشرتها إیران انترناشونال، إن فحوصات فيروس كورونا تباع بأسعار هي 3 أضعاف السعر الفعلي.
وتابع أن الجهاز الجديد الكاشف لكوفيد-19 والتابع للحرس الثوري، وهو جهاز إلكتروني زعم أنه يستطيع الكشف عن فيروس كورونا في نطاق مائة متر وبخمس ثوان، هو مثال آخر على غباء النظام.
وقد وصف قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي في 15 نيسان/أبريل، الجهاز بأنه "يعكس تقدما علميا فريدا من نوعه" ويتمتع بـ"تقنية علمية مذهلة".
ولفت صمديات إلى أن "هذه التصريحات السخيفة والتي كانت محط سخرية وضحك في صفوف المواطنين، دفعت حتى جمعية الفيزياء الإيرانية إلى إصدار بيان لنفي صحة هذه المعلومات. مع ذلك، رفض قائد الحرس الثوري التراجع عن تصريحه السخيف".
وذكر أن النظام الإيراني يستخدم أيضا وباء كورونا كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة لترفع العقوبات عن إيران.
وختم قائلا "الحقيقة هي أن الشعب الإيراني أصبح رهينة الحكومة في هذه الحملة. ولا تأبه الحكومة الإيرانية بشعبها، بل تخاف فقط من أن تضعف قوتها وسلطتها".