يأتي التدخل الإيراني الواسع في الشؤون العراقية بقيادة كتائب حزب الله، وهي ميليشيا أنشأها النائب السابق لقائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وتعتبر موالية تماما للحرس الثوري الإيراني.
وبعد مقتل المهندس إلى جانب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في 3 كانون الثاني/يناير، اشتدت المنافسة بين الميليشيات العراقية المدعومة من إيران.
ولكن بقي حتى اليوم لكتائب حزب الله المكانة الأبرز بينها.
وقال النائب العراقي السابق طه اللهيبي إنه بالرغم من ضبابية هيكلها العسكري والإداري، حددت الميليشيا أيديولوجيتها كفصيل يتبنى حاكمية ولاية الفقيه.
وأوضح اللهيبي لديارنا أن "هذه الميليشيا شديدة الولاء والإخلاص لإيران وأعضاؤها لا يطيعون سوى توجيهات المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني الذي يشرف مباشرة على تمويلهم وتسليحهم وتدريبهم".
وأضاف أن "هذه الجماعة ليس لديها تمثيل سياسي على خلاف بقية الميليشيات الرئيسية الأخرى، وبالتالي هذا يمنحها حرية أكبر في النشاط الميليشياوي وتحدي السلطة والإخلال بالنظام لصالح دعم أجندة إيران".
واتخذت كتائب حزب الله شكلها الحالي في نيسان/أبريل 2007، مع اندماج 5 فصائل ناشطة منذ العام 2003 وهي كتائب أبو الفضل العباس وكتائب كربلاء وكتائب السجاد وكتائب زيد بن علي وكتائب علي الأكبر.
وأوكلت إلى العديد من القياديين الإيرانيين واللبنانيين مهمة تدريب كتائب حزب الله، وأبرزهم جهاد مغنية القيادي اللبناني السابق الذي اغتيل في سوريا في العام 2015.
وقررت إيران استخدام اسم "كتائب حزب الله" لتسليط الضوء على تشابه الميليشيا مع حليفها حزب الله اللبناني، وذلك في محاولة لكسب الدعم لأنشطتها وإضفاء الشرعية على وجودها.
وتشير التقديرات الأخيرة إلى انتشار نحو 7000 عنصر من ميليشيا كتائب حزب الله في غرب العراق على طول الحدود مع سوريا وفي مناطق أخرى من العراق بشكل خاص. ويتواجد نحو 1500 آخرين في سوريا.
وصنّفت وزارة الخارجية الأميركية الميليشيا على أنها جماعة إرهابية في تموز/يوليو 2009، كما أدرجت في 26 شباط/فبراير من العام الجاري اسم أحمد الحميداوي الذي جاء خلفا للمهندس، على لائحة الإرهاب.
خطر على السلم الأهلي
وأكد الصحافي والمحلل السياسي العراقي زياد السنجري أن كتائب حزب الله لها "تاريخ طويل من الإجرام ومن العبث بأمن البلاد وسيادتها وسلامة المنطقة".
وذكر لديارنا أن "هذه الجماعة سعت منذ نشأتها إلى الهيمنة على القرار السيادي العراقي"، لافتا إلى أنها "لا تزال تشكل خطرا كبيرا على السلم الأهلي، كونها تتغذى على إثارة النزاعات الطائفية وزعزعة الاستقرار".
وأشار السنجري إلى أنها منذ العام 2014 "متورطة بتهجير ما لا يقل عن 50 ألف مواطن من منازلهم في ناحية جرف الصخر" جنوبي بغداد في محافظة بابل.
وأوضح أن الميليشيا خطفت آلاف المدنيين من المناطق المحررة من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل "تغييبهم في سجون سرية بتلك الناحية الإدارية".
وأضاف أن كتائب حزب الله حولت هذه المنطقة الخارجة عن القانون "إلى مقر رئيسي لها لا تسمح حتى لأجهزة الدولة الأمنية بالوصول إليه".
وشدد على أن "الميليشيات ارتكبت جرائم حرب، منها تعذيب المحتجزين وقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية".
يُذكر أن اكتشاف 31 جثة غير محددة الهوية بالقرب من جرف الصخر في آب/أغسطس من العام 2019، أثار موجة غضب في المجتمع المحلي الذي وجه أصابع الاتهام إلى الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
استخدام العراق كمنطلق تهديد
وفي هذا الإطار، اتهم السنجاري كتائب حزب الله "بتنفيذ أعمال تطهير عرقي وتغيير ديمغرافي" للسكان في مختلف المناطق العراقية المحررة من داعش. واتهمها أيضا "باستخدام العراق كمنطلق لتهديد دول الجوار".
وأضاف أن الميليشيا نفذت "استهدافا صاروخيا متكررا للمعسكرات العراقية التي تضم مستشاري التحالف الدولي، إلى جانب السفارات والبعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد".
وتابع أن "قمعها العنيف للاحتجاجات العراقية المناهضة للتأثير الإيراني كشف هذه الميليشيا على حقيقتها بأنها ليست سوى عصابة تريد إيذاء العراقيين لصالح إيران".
وبدوره، قال علاء النشوع وهو خبير استراتيجي ومحلل سياسي لديارنا إن "الاحتجاجات الشبابية في العراق أفشلت ما كانت تخطط له كتائب حزب الله وهو تأجيج الطائفية وتمزيق الهوية الوطنية".
وتابع أن "العراقيون أدركوا هذه المخططات وثاروا عليها رافضين هيمنة هذه الميليشيا وباقي الميليشيات المدعومة من إيران على بلادهم وتأثيرها في شؤون بلادهم الداخلية".
ولفت إلى أن "إيران تستخدم الميليشيات كأدوات في مواجهتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة والعالم. لكنها لا ترغب وبكل تأكيد التضحية بصفوة جماعاتها وهي كتائب حزب الله، في مواجهات خاسرة قد تمثل انتحارا لها".