عمد متظاهرون يوم الجمعة، 20 كانون الأول/ديسمبر إلى قطع الطرق في جميع أنحاء لبنان الذي يمر بأزمة غير مسبوقة، احتجاجا على تكليف حسان دياب المدعوم من حزب الله تشكيل الحكومة الجديدة. وجاء تكليف دياب إثر تصويت خلافي أثار الغضب في صفوف أبناء الطائفة السنية.
وتزامنت الاضطرابات مع سلسلة مقررة من الاجتماعات بين دياب ومجموعة من القادة السياسيين السنة، كما مع زيارة المبعوث الأميركي ديفيد هيل إلى البلاد وهو المسؤول الثالث في وزارة الخارجية الأميركية.
ويبلغ دياب 60 عاما ويعد شخصية مغمورة ويشغل منصب أستاذ في كلية الهندسة بالجامعة الأميركية في بيروت، وجاء تكليفه يوم الخميس بدعم من حزب الله وحلفائه وسط امتناع الكتلة السنية الرئيسة في البلاد عن تأييده.
وأنهى تكليف وزير التربية والتعليم العالي السابق والذي يقدم نفسه على أنه من مجتمع "التكنوقراط"، قرابة شهرين من التجاذبات السياسية بين النواب.
لكنه أثار غضب أبناء الطائفة السنية الذين اعتبروا أن رئيس الوزراء المكلف لا يحظى بدعم الطائفة، لاسيما أن هذا منصب مخصص للسنة وفقا لنظام تقاسم السلطة الساري منذ نهاية الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
واهتزت مدينة طرابلس الشمالية ذات الأغلبية السنية مساء الخميس، فشهدت تظاهرات وقطع للطرقات، فيما أغلقت المدارس أبوابها في اليوم التالي وأعاد مناهضو دياب قطع الطرقات وسط دعوات لإضراب عام.
وقطعت الطرقات أيضا في منطقة عكار المجاورة ومناطق أخرى من شمال لبنان، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الوطنية.
وأغلق المتظاهرون أيضا الطرق السريعة الرئيسة شرق وجنوب العاصمة بإطارات محترقة وحاويات النفايات.
’خوف على البلاد‘
وبداية، لم يوافق رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري على دياب كخليفة له ولم يمنحه الغطاء السني المطلوب لتولي هذا المنصب، سيما وأن حظوظ الحريري بالعودة إلى منصبه كانت مرتفعة في الأيام الأخيرة.
وأثار هذا الأمر المخاوف من أن يؤدي تكليف دياب لشغل المنصب الأعلى المخصص للطائفة السنية إلى تشكيل حكومة غير متوازنة، يحتمل أن تشعل التوترات الطائفية.
ورأى مراقبون أن هذا الخلاف قد يعرقل جهود الإفراج عن المساعدات الدولية الموعودة والتي من شأنها إبعاد لبنان عن شفير الهاوية.
ونظم أنصار الحريري احتجاجات في جميع أنحاء بيروت مساء الخميس وتجمعوا أمام منزل دياب، ما دفع الحريري إلى مناشدتهم بالخروج من الشوارع.
وفي وقت متأخر من يوم الخميس، قال الحريري لتلفزيون ام.تي.في: "لست أنا من سيشكل الحكومة المقبلة، لكني قلق لأنني أخشى على البلاد".
والتقى دياب يوم الجمعة بالحريري وشخصيات سياسية سنية أخرى، كانت قد امتنعت عن ترشيحه في اليوم السابق.
وبعد اجتماعه إلى الحريري، قال دياب إنه يريد تشكيل "حكومة من التكنوقراط المستقلين"، ويعتبر هذا الأمر مطلبا رئيسا للمتظاهرين.
وأضاف دياب أن "الحريري يدعم تشكيل هذه الحكومة دعما كاملا".
وتجدر الإشارة إلى أن اعتراض الطائفة السنية على ترشيح دياب يتناقض مع الروح غير الطائفية التي ميزت حركة الاحتجاج المستمرة منذ شهرين ومطالبتها بوضع حد لنظام تقاسم السلطة بين الطوائف.
زيارة المبعوث الأميركي
وفي حين يضغط المجتمع الدولي على لبنان للإسراع في تشكيل حكومة جديدة، لم تسجل بعد أي مواقف علنية من تكليف دياب.
وخلال زيارته لبنان يوم الجمعة، أكد نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، هيل، أن واشنطن "لا كلمة لها في اختيار رئيس وأعضاء" الحكومة الجديدة.
ويشكل تكليف رئيس للوزارء الخطوة الأولى في مسار عملية الاتفاق على التشكيلة الحكومية الكاملة الذي قد يستغرق بعض الوقت، علما أن دياب حدد إطارا زمنيا لتقديم تشكيلته يتراوح بين أربعة وستة أسابيع.
ومن غير المرجح أن تستسيغ الولايات المتحدة تكليف دياب بسبب دعم حزب الله له، لأنها تعتبر الميليشيا اللبنانية وكيلة لإيران وسبق لها أن حضت القادة اللبنانيين على تقليص نفوذها السياسي.
وبعد اجتماعه إلى الرئيس ميشال عون، حث هيل السلطات على "العمل من أجل المصلحة الوطنية، وتقديم إصلاحات وتشكيل حكومة تلتزم بتنفيذها".
والتقى هيل لاحقا برئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري.
وصدر بيان عن السفارة الأميركية جاء فيه: "خلال زيارته...سيؤكد التزام أميركا بشراكتها مع الدولة اللبنانية".
"وسيحث القادة السياسيين في لبنان على الالتزام بإجراء الإصلاحات الضرورية التي من شأنها المساهمة في قيام دولة مستقرة ومزدهرة وآمنة".
وشهد لبنان مؤخرا تصاعدا للتوترات السياسية بسبب اقتراب الدولة اللبنانية المثقلة بالديون من الإفلاس.
وخسرت الليرة اللبنانية المرتبطة رسميا بالدولار الأميركي نحو 30 في المائة من قيمتها في السوق السوداء، وعلى مدى الشهرين الماضيين دفعت الشركات لموظفيها نصف رواتبهم كما سرحت قسما منهم.