يعكس التدفق المتواصل للعمال الإيرانيين، وبينهم كفاءات ذوي مهارات عالية، إلى خارج البلاد سعيًا وراء حرية وفرص أكبر في أماكن أخرى الواقع المرير الذي يواجهه المواطن الإيراني في بلده.
وقال محللون في حديث للمشارق إن هجرة الكفاءات هي إشارة واضحة على الضغوط التي يعيشها الإيرانيون تحت وطأة النظام المتشدد الذي يحكم بلادهم منذ أربعة عقود.
وقد دفع فساد الحكومة ومحسوبياتها والمشاكل الاقتصاديةوالسياسة الخارجية التي تفضل التوسع الخارجي على الرفاه المحليالعديد من الإيرانيين لمغادرة بلدهم الأم متى سنحت الفرصة لهم.
وبعد مغادرة البلاد، تغيب الحوافز التي قد تشجعهم على العودة.
ووفق محطة بي.بي.سي، يغادر بين 150 ألف و200 ألف إيراني البلاد كل سنة منذ الثورة الإسلامية في العام 1979.
وأكد النائب وزعيم حزب الأمة العراقي مثال الآلوسي في حديث للمشارق أن "أرقام الإيرانيين المهاجرين والفارين من بطش النظام الحاكم في إيران مرشحة للتزايد".
وقال "لو أتيحت منافذ أكبر للهرب لكنّا أمام هجرات مليونية يتقدمها أصحاب الشهادات العليا والعقول النيرة والمثقفون".
مستميتون للرحيل
وأوضح أن بعض الإيرانيين يقدمون طلبات للحصول على تأشيرات للسياحة أو العلاج الطبي للالتفاف على القيود التي يفرضها النظام على سفرهم.
وأضاف أنهم يتجهون إلى الدول المجاورة ولا سيما العراق، ومنها يسافرون إلى دولة أخرى بحثًا عن حياة ومستقبل أفضل.
وتشير إحصائيات الحكومة الإيرانية إلى أن أكثر من 40 في المائة من العاطلين عن العمل في إيران هم خريجو جامعات، وهذا أحد أسباب امتناع الكثيرين عن العودة بعد إكمال دراستهم في الخارج.
وقال الآلوسي إن سببًا آخر لهجرة الكفاءات من إيران يتمثل في تفشي المحسوبية في المؤسسات الحكومية، لافتًا إلى أن المراكز الوظيفية في القطاع العام غالبًا ما تعطى لمن هم على صلة بالنظام.
وأوضح أن "الفساد دافع أساسي للهجرة، لكنه ليس الوحيد، فهناك أيضًا التضييق وتكميم الأفواه والتعدي على الحقوق والحريات العامة وحملات الاعتقال العشوائية والإخفاء القسري للناشطين وتصفيتهم".
وأكد أن كل ذلك يندرج في إطار جهود النظام الإيراني الرامية إلى الحفاظ على السلطة.
واعتبر أن الخسارة الاقتصادية لإيران نتيجة هجرة أدمغتها "لا تعادل شيئًا أمام خسارة هذا البلد لتنوعه الثقافي والاثني ومستقبل أبنائه بسبب حكام فسادين لا تهمهم سوى مصالحهم الذاتية".
لا مبالاة تجاه الشعب
وبدوره، قال الخبير الاستراتيجي العراقي علاء النشوع إن "المؤسسة الحاكمة في إيران لا تبالي بمشاكل الشعب الإيراني ومعاناته من الأزمات الاقتصادية"، مشيرًا إلى أن هذه الأخيرة تفاقمت جراء سياسات النظام.
وأوضح أن النظام "منشغل فقط بتقوية نفوذه بالخارج واستنزاف خزينة الشعب وثرواته على التدخلات السافرة في شؤون الدول".
ولفت إلى أن الهجرة باتت الخيار الوحيد أمام الكثير من الإيرانيين، ولا سيما الكفاءات ذوي المواهب والعقول العلمية الذين يشعرون اليوم بالتهميش والإقصاء.
وأضاف النشوع أن "فساد الطبقة السياسية في إيران وفشلها في إدارة شؤون البلاد حوّل حياة الشعب الإيراني لجحيم في كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والخدمية".
"ومن جهته، قال غازي فيصل حسين، وهو مستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في حديث للمشارق، إن "نسبة كبيرة من الإيرانيين يعيشون حاليًا داخل وطنهم في فقر مدقع وإن الوضع الاقتصادي يزداد سوءا".
ونوّه بأن "النظام الإيراني ترك مشاكل الفقر والبطالة والفساد التي يقاسي منها الإيرانيون جانبًا وراح يسخر كل إمكانات الدولة لتغذية الصراعات الطائفية بالمنطقة وإغداق المال على أذرعه".
وذكر أن النظام يركز بشكل كبير على نشر عقيدة ولاية الفقيه التي تدعو إلى الولاء للولي الفقيه (خامنئي).
وختم حسين قائلًا إن النظام الإيراني "يحفر قبره بيده نتيجة سياساته التي لا تخدم مصلحة الشعب الإيراني ولا تساهم سوى في زيادة معاناته".