تعهدت جهات دولية يوم الجمعة، 6 نيسان/أبريل، بمبلغ 11 مليار دولار على شكل قروض ومنح ميسرة لدعم خطة لبنان الاستثمارية شرط المضي بتحقيق الاصلاحات.
وتظهر المساعدة التي تعهدت بها الجهات المشاركة في مؤتمر سيدر في باريس الذي عقد في 6 نيسان/أبريل مدى القلق الدولي حول الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان الذي يعاني من تداعيات الأزمة في سوريا.
كما تظهر رغبة المجتمع الدولي في الحفاظ على استقرار لبنان، حيث أشار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي ناشد الدعم الدولي، إلى أن المؤتمر "لا يتعلق باستقرار لبنان وحده".
وأكد أن الدعم هو "لاستقرار المنطقة وبالتالي استقرار عالمنا جميعا".
وقد شارك في المؤتمر ممثلو 51 دولة والبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمات وهيئات مالية عربية وعالمية.
حيث تعهد المشاركون بدعم عملية النهوض الاقتصادي في لبنان وتلبية حاجته إلى استثمارات مهمة لإعادة تأهيل بناه التحتية.
وشكلت كثافة الحضور في المؤتمر استنفارا دوليا وإقليميا تضامنا مع لبنان "للمضي في سياسة النأي بالنفس وتحييده عن الصراعات والنزاعات في المنطقة وحمايته من الحروب المشتعلة من حوله"، كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجلسة الختامية.
تعهدات تخطت 11 مليار دولار
وتعهّد المشاركون بتوفير أكثر من 11 مليار دولار قروضا ميسّرة وهبات للبنان مشروطة بالمضي في تحقيق الإصلاحات.
وتوزعت هذه المساهمات كما يلي : البنك الدولي (أربعة مليارات دولار أميركي) على خمس سنوات، البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية (مليار و100 مليون يورو) على ست سنوات، صندوق التنمية السعودي (مليار دولار)، البنك الأوروبي للاستثمار (981مليون دولار)، البنك الإسلامي للتنمية (750 مليون دولار) على مدى 5 سنوات، فرنسا (550 مليون يورو) على 4 سنوات، الصندوق الكويتي (500 مليون دولار) على 5 سنوات، قطر (500 مليون دولار) على 5 سنوات، هولندا (بين 200 و300 مليون يورو)، تركيا (200 مليون دولار)، الاتحاد الأوروبي (184مليون دولار)، ألمانيا (147 مليون دولار) والولايات المتحدة (115 مليون دولار).
وجاء في البيان الختامي لمؤتمر سيدر أنه "على الرغم من التطورات الاخيرة المؤاتية، ما زال لبنان يواجه صعوبات وتحديات بالغة. فقد أثّر الصراع السوري بالاضافة إلى ما نجم عن من نزوح سكاني وتدفق كبير للاجئين إلى لبنان على الاقتصاد والبنى التحتية والخدمات الاجتماعية في لبنان".
"وقد ارتفع معدل البطالة الذي كان اصلا مرتفعا، ولا سيما عند الشباب بشكل ملحوظ، وقد غرق اكثر من 200 ألف لبناني في الفقر. هذه صعوبات بالغة بالنسبة للبنان الذي من خلال استضافته للنازحين يقدم خدمة عامة للمجتمع الدولي.".
رؤية جديدة للحكومة اللبنانية
وقال الحريري "التحدي اليوم هو عكس الاتجاه في موضوع النمو والفقر والبطالة ". وعرض الحريري رؤية الحكومة التي تستند إلى أربعة دعائم مترابطة.
أولا، زيادة الاستثمار في البنى التحتية من خلال تنفيذ برنامج الانفاق الاستثماري الطموح.
ثانيا، ضمان تنفيذ هذا البرنامج الاستثماري في إطار مالي شامل وديون مستدامة من خلال تعزيز ضريبي يهدف إلى خفض عجز الميزانية بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة خمسة في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة.
ثالثا، تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها لبنان لتحقيق كل إمكانات النمو المستدام بقيادة القطاع الخاص مع زيادة العدالة الاجتماعية.
وتشمل هذه الإصلاحات مكافحة الفساد وتحسين إدارة الضرائب وتحديث وإعادة هيكلة القطاع العام، وتحسين عملية التوريد والتصديق على قانون حديث بشأن التوريد العام وتحديث وترشيد الجمارك والتحول الرقمي للحكومة وبيئة أفضل للأعمال التجارية، فضلا عن الإصلاحات القطاعية اللازمة لجعل القطاعات أكثر كفاءة واستدامة.
ورابعا، تطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية وتحقيق إمكانات التصدير اللبناني.
قلق من ارتفاع الدين
وقال رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "مؤتمر سيدر في باريس قدم هدية جميلة للبنان مشروطة بالاصلاح".
وسأل: "فهل سنقوم بالمطلوب؟ أم ينتهي المؤتمر كما انتهى غيره في جوارير الوعود والفساد والنسيان؟"
من جانبه، قال وزير الاتصالات جمال الجرّاح في حديث لموقع المشارق "سمعنا [في بعض الانتقادات] أن هذه الاموال هي ديون على لبنان، ولكن نسأل كيف يمكن تأمين الكهرباء من دون هذه الأموال؟".
وشدّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على أنّ "النجاح الذي حقّقه مؤتمر سيدر هو انتصار لسياسة النفس الطويل لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي راهن على الاستقرار والتهدئة لخلق مناخات سياسية مؤاتية للاستثمار".
أما النائب نديم الجميل، فإعتبر أن "الإنتصار ليس في الحصول على 11 مليار دولار في مؤتمر سيدر، إنّما الأهمية تكمن في كيفيّة صرف هذا المبلغ على الإصلاحات الضرورية مع وقف مزاريب الفساد والهدر".
وأضاف بالقول إن الإنتصار الأكبر فهو في إيجاد الطرق والحلول لتسديد هذا الدين.
بدوره إعتبر المحلل الاقتصادي نائب رئيس حركة التجدد الديموقراطي انطوان حداد أن الكرة الآن في ملعب لبنان.
ورأى في حديث للمشارق أن المجتمع الدولي أظهر استعداده للرهان على مستقبل لبنان، وعلى اللبنانيين أن يستعيدوا الثقة بمستقبل بلدهم.
وقال حداد "إن "هذا الدعم الدولي مقيّد لا بل مشروط بإصلاحات جذرية هي وحدها الكفيلة بتحويل مؤتمر سيدر وما سينتج عنه من فرصة لانتشال لبنان من حافة الهاوية الإقتصادية والإجتماعية".
تعهدات بدعم الجيش في مؤتمر روما 2
وكان لبنان قد عرض في منتصف شهر آذار/مارس الفائت استراتيجية لمدة خمس سنوات خلال مؤتمر "روما 2" حيث عرض بالتفصيل على الدول المانحة حاجات الجيش والقوى الأمنية للحفاظ على الاستقرار وحصل على تعهدات بالدعم.
وأكد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أن المؤتمر ترجم الحرص الدولي على الاستقرار والامن في لبنان وأن المشاريع التي قدمتها المؤسسات العسكرية والأمنية لاقت "اهتماما لافتا".
وأضاف "نحن هنا لبناء الثقة لأننا ندرك بأن استمرار استتباب الامن في لبنان هو ضمان لاستتباب الأمن في المنطقة".
مستشار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لشؤون الدفاع والأمن، العميد مارون حتي قال للمشارق إن "مؤتمر روما 2 أعطى آمالا إيجابية لجهة المساعدات العسكرية للبنان، سوف تترجم عند تنفيذها".
وأشار إلى أن تفاصيل المساعدات لها صفة الخصوصية، لارتباطها بشؤون الدفاع والأمن.
ولفت حتي إلى أن خطط الرئيس اللبناني ميشال عون حول استراتيجية الدفاع الوطنية جرت مناقشتها أيضا، "وقد أعرب المشاركون في المؤتمر عن تشجيعهم ودعمهم للرئيس عون للمضي في هذا المجال".
وشدد على أن "توحيد الرؤية اللبنانية حول الدفاع من خلال نص ملزم موقع من الأطراف اللبنانية كافة، سيرسم خطا واضحا معترفا به يمنع أي طرف سياسي انكاره أو تجاهله".
جنيد سلمان من بيروت ساهم أيضا في هذا التقرير.