تعد مدينة مأرب وسط اليمن بتاريخها الغني وسدها الحديث الذي يوفر الكهرباء والماء للكثير من المناطق من المدن الاستراتيجية والرمزية في البلاد.
وتشكل مأرب حجر زاوية رئيسي في تاريخ العالم العربي وتتحدر منها الكثير من القبائل العربية، وكانت من العجائب الهندسية في العصر القديم بسبب السد الأثري الذي يعود إلى أربعة آلاف عام الذي ما عاد اليوم قائما.
ومن بين تلك القبائل التي تتحدر من المدينة، آل نهيان قبيلة الرئيس السابق ومؤسس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وقال الباحث الإماراتي في الشؤون السياسية، الدكتور خالد القاسمي إن "لمنطقة مأرب اهمية تاريخية بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار بأن أصول آل نهيان تأتي من مأرب بحسب الوثائق التاريخية".
منشأ القبائل العربية
وأوضح القاسمي للمشارق أن "مأرب كانت تشكل جميع القبائل العربية"، مشيرا إلى أن الكثير منها هاجرت إلى شبه الجزيرة العربية ويمكن تحديد أصلها ونسبها تاريخيا إليها.
وأضاف "وخير اثبات على ذلك ما هو موجود الآن من وثائق تاريخية عن سد مأرب القديم"، كما ومعبد الشمس ومحرم بلقيس.
وبعد انهيار السد القديم الذي يعرف بسد العرم نحو العام 100 قبل الميلاد، دفع فشل أنظمة الري المحيطة بالكثير من القبائل وبينهم قبيلة آل نهيان إلى الاتجاه نحو أماكن أخرى في شبه الجزيرة العربية.
وكان لمأرب مكانة خاصة للشيخ زايد فهي موطن أجداده. وفي العام 1984، أمر بإعادة بناء السد ومول المشروع البالغ قيمته 100 مليون دولار بنفسه وسافر إلى اليمن لافتتاحه عام 1986.
واعتبرت هذه الخطوة دلالة على الوحدة العربية.
وقال الشيخ زايد في حينه أنه شعر "بواجب" تمويل المشروع "لأن الدولة العربية التي تتقدم وتصبح قوية يجب أن تعد دعما كبيرا للدول العربية الأخرى".
واعتبر أن السد القديم كان سدا حيويا في تاريخ اليمن والسد الحديث كذلك، سد حيوي لتطور البلاد.
أهمية مأرب الاقتصادية
وإضافة إلى تاريخها القديم ومواردها من مياه وطاقة، تعد مأرب مدينة ذات أهمية اقتصادية كبيرة في اليمن نتيجة مواردها من نفط وغاز وغيرها، وفق ما أكد القاسمي.
ولفت إلى أن "هذه الثروات إذا ما أحسن استغلالها ستجعل اليمن من أغنى البلدان".
واشار القاسمي إلى أن التحالف العربي الذي يقود عاصفة الحزم لتحرير اليمن "يسعى لكي يعود اليمن إلى مكانته التاريخية والاقتصادية والسياسية المعروفة، ولكي يستفيد المواطن اليمني من ثرواته".
واتهم الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بهدر هذه الثروات لتحقيق "مآرب استعمارية" لصالح النظام الإيراني.
وقد نجحت القوات اليمنية وقوات التحالف العربي بشكل كبير بطرد الحوثيين من محافظة مأرب في نيسان/أبريل 2015، لكن المحافظة تستقبل اليوم آلاف النازحين الذين فروا من مناطق أخرى في اليمن.
وأوضح القاسمي أن الحوثيين أحرقوا وخربوا ونهبوا المتاحف التاريخية في كل من تعز وعدن خلال الحرب المستمرة، كما وقاموا بـ "تهريب الآثار والتحف بصورة غير شرعية إلى الخارج لغايات تمويل عمليات الحوثيين الإرهابية".
ودعا القاسمي الى ضرورة استرجاع الآثار اليمنية المفقودة بسبب حرب الحوثيين، او حتى شراء ما تم تهريبه وبيعه في الخارج بغية الحفاظ على تاريخ البشرية.
’مهد الحضارات‘
من جهته، قال وكيل وزارة الإعلام اليمنية صالح الحميدي للمشارق أن مأرب تعتبر "مهد الحضارات، ليس على مستوى اليمن فحسب، بل على مستوى العالم أجمع".
وبيّن الحميدي أن "سد مأرب يعد شريان الحياة في تلك المحافظة ومعلما تاريخيا وأثريا ضاربا في أعماق التاريخ، وله أهمية كبيرة وارتباط مباشر بحياة الناس هناك".
وأوضح أن الشيخ زايد كان يولي مأرب اهتماما خاصا، "ويتواصل اهتمام أبناء زايد في اليمن ومأرب مشيا على خطوات المرحوم زايد".
وأكد الحميدي وجود "ارتباط وثيق بين شيوخ الإمارات واليمن وعلى وجه الخصوص مأرب".
واضاف "تعود جذور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ونسبه إلى مأرب"، مؤكدا "اليمن في الأساس هو بيت العرب الأول الذي تمت الهجرة منها إلى مختلف أنحاء الجغرافيا العربية".
وأشار إلى أن موجهة الهجرة من مأرب أتت أعقاب انهيار سد مأرب القديم.
علاقات متينة مع القبائل اليمنية
وزار الشيخ زايد مأرب وتواصل على الدوام مع المشائخ في اليمن، ومعروف انه كان يعتز كثيرا بانتمائه لليمن، واستمرت تلك العلاقة الطيبة إلى يومنا هذا، وفق ما ذكر الحميدي.
وفي حين يتميز تاريخ مأرب بغناه ووفرة الموارد الطبيعية، فإن الحوثيين والجماعات المتطرفة كالقاعدة في شبه الجزيرة العربية تواصل تهديد السلام والازدهار في المنطقة.
وأكد الحميدي أن المليشيات الحوثية والعناصر الاجرامية تشكل خطرا "على الحياة في المنطقة برمتها وليس على الآثار والمواقع السياحية فحسب"، مضيفا: "هؤلاء أشخاص لا يؤمنون أبدا لا في حضارة ولا آثار ولا قيمة لأي شيء لديهم غير استحضار ماضيهم الكهنوتي السلالي".
وتابع بالقول: "إن اليمن قد خسر نسبة كبيرة من آثاره سواء عبر عملية النهب التي تعرضت لها المتاحف والأماكن الأثرية، أو عبر التدمير الذي استهدف هذه المواقع في الحروب الدائرة".
ولفت إلى أن المواقع الأثرية جرى استخدمتها كتحصينات وثكنات عسكرية، كما تم استهدافها بالقصف في مرات عديدة.