على الرغم من الصدمة التي أحدثتها استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري طالت تردّداتها المنطقة وأثارت تساؤلات حول تداعياتها على الاقتصاد الوطني، أكد خبراء للمشارق أن لبنان قادر على مواجهة هذا التحدي.
وكان الحريري قد أعلن استقالته عبر محطة تلفزيون سعودية في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد مضي سنة على الاتفاق السياسيّ الذي جاء بميشال عون إلى سدّة الرئاسة وبالحريري إلى منصب رئيس الوزراء.
وتخضع الأسواق المالية في لبنان إلى مراقبة حثيثة تحسباً لتداعيات هذه الخطوة، لكن الضمانات التي قدمها محافظ المصرف المركزي رياض سلامة ومسؤولون حكوميون، ساهمت في المحفاظة على استقرارها.
وقال عون في ختام اجتماعه السادس مع المسؤولين الماليين، إن الوضع المالي والنقدي في لبنان مستقر ولا يوجد حركة سحوبات غير عادية.
وأكد وزير المالية علي حسن خليل إثر الاجتماع أن الاقتصاد اللبنانيّ قادر على استيعاب التطورات السياسية الأخيرة مشدّدا على "استقرار الوضع المالي والنقدي رغم التحديات الراهنة".
بدوره، اعتبر رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه، أن امكانيات القطاع المصرفي اللبنانيّ والمصرف المركزي وحسن إدارة الشؤون المالية، تسمح في إبقاء الأوضاع مستقرة.
تداعيات اجتماعية
من جانبه، نفى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة وجود تأثيرات سلبية لاستقالة الحريري على سعر صرف الليرة اللبنانية.
لكنه تحدّث للمشارق عن "نوع من عدم الاستقرار قد يطال المجالات الاقتصادية والمالية وطبعاً السياسية".
وأشار إلى أن التداعيات الاجتماعية للاستقالة مرتبطة بمصير الزيادة التي أقرّت مؤخراً لموظفي القطاع العام والخطة التي تعدّها الحكومة للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين.
وقال عجاقة انه "ليس هناك من تأثير على المواطن في المدى القصير، ويعود ذلك إلى ثبات العملة اللبنانية وأسعار النفط المنخفضة".
لكنه لفت إلى وجود تداعيات على الدولة في المدى المتوسط، لجهة الخوف من ارتفاع كلفة عقود التأمين على سندات الخزينة اللبنانية المطروحة في البورصة العالمية.
وأوضح أن "من شأن ذلك رفع فوائدها لتشجيع المستثمرين للإقبال عليها، ما يعني رفع خدمة الدين العام".
وأشار عجاقة إلى أن ايّ خفض لتصنيف لبنان من قبل وكالات التصنيف العالمية سيُلحق ضرراً كبيراً لجهة الاستثمار.
غير أنه أكد "قدرة المصرف المركزي والمصارف التجارية على تمويل الدولة اللبنانية، إذ أنهم يمتلكون مجتمعين نحو 250 مليار دولار من ودائع وأصول واحتياطات، أيّ ما يمثل خمسة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني".
’تراجع المخاوف وسط التطمينات‘
في المقابل، أوضح محرّر القسم الاقتصادي في صحيفة الجمهورية، أنطوان فرح، أن "استقالة الحريري جاءت في عطلة نهاية الأسبوع، ما أعطى المصارف والأسواق المالية وقتاً للاستعداد لمواجهة ردود الفعل المحتملة".
ومن ردود الفعل هذه تدافع الناس إلى المصارف لتحويل ودائعهم ومدخراتهم إلى الدولار وبالتالي الضغط على العملة اللبنانية، حسبما أشار للمشارق.
ورأى أن التطمينات التي أعطتها المراجع المالية خفّفت من قلق الناس.
واعتبر فرح أن استقالة الحريري "لن تؤدي بين ليلة وضحاها إلى تغيير الوضعين المالي والاقتصادي، لأن المصرف المركزي يمتلك احتياطياً نقدياً ضخماً يمكن استخدامه للدفاع عن الليرة اللبنانية".
ولفت إلى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، اكتسب لبنان خبرةً في مواجهة استقالة الحكومة وفراغ موقع الرئاسة والاضطرابات الأمنية والعمليات العسكرية واغتيالات شخصيات سياسية وأمنية.
وأضاف أنه على الرغم من كلّ ذلك، تمكّنت الليرة اللبنانية من المحافظة على استقرارها، مؤكداً ضرورة حماية الثقة بالنظام المالي اللبناني.
وتابع: "على الرغم من أن هذه الأحداث التي تعرّض لها لبنان لم تصل إلى ضرب الاستقرار النقديّ، إلا أنها ساهمت تراكمياً في إضعاف الوضعين الاقتصادي والمالي".
وقال إن "ضعف الاقتصاد لا يعني أنه على حافة الانهيار، بالرغم من أنه قد يؤثر على سعر صرف الليرة وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني".
رجال الأعمال ينتظرون وضوح الرؤية
وفي حديث للمشارق، قال رئيس تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم، فؤاد زمكحل، إن "المشهد ما يزال ضبابياً".
ولفت زمكحل إلى أن الاستثمارات والتوظيفات متوقفة حالياً، لأن المشكلة سياسية ولها أبعادٌ إقليميةٌ.
وأكّد أن "رجال الأعمال في لبنان ينتظرون قرار القيادات السياسية في البلاد لاستيضاح الصورة"، مشدداً على أنها "ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان أزمات".
وأضاف أن "البلاد خبرت مختلف أنواع المشاكل من سياسية واقتصادية وأمنية".
في غضون ذلك، أكد مدير البنك الدولي سيرج كمار إثر اجتماعه إلى عون يوم الأربعاء 8 تشرين الثاني/نوفمبر، على مواصلة البنك الدولي دعم لبنان في جميع المجالات والتزامه العمل مع الحكومة اللبنانية.
وقال كمار جا إن البنك الدولي "يعمل على مجموعة مشاريع جديدة لدعم إصلاح عددٍ من القطاعات، بما في ذلك إصلاحات ذكية في مجال تطوير البنى التحتية وقطاع المياه في لبنان".