تحولت الصحراء الغربية ذات المساحة الشاسعة في مصر بالقرب من الحدود الليبية إلى ساحة مواجهات حادة بين الجيش والشرطة من جهة والجماعات المسلحة المتطرفة من جهة أخرى.
وقد تعرضت القوات المصرية للاستهداف على الطرقات الرئيسة في الصحراء والتي تمتد مساحتها إلى نحو 681 ألف كيلومتر مربع.
وشهدت المنطقة عمليات انتحارية استهدفت مدنيين خطط لها ونفذها خلايا متطرفة تنتشر في الصحراء التي تمتد على ألف كيلومتر من الجنوب إلى الشمال، و600 كيلومتر من الغرب إلى الشرق وتحدها ليبيا.
ورداً على هذه الانتهاكات الأمنية ولإحباط عمليات تهريب السلاح من ليبيا، شن الجيش وقوات العمليات الخاصة في الشرطة مدهمات واسعة وطلعات جوية تمكنت خلالها من قتل العشرات من عناصر الخلية ومطاردة الباقيين منهم في قلب الصحراء.
وكثفت قوات الأمن المصرية مؤخراً جهودها لاعتقال العناصر المتشددة بعد اعتداء 20 تشرين الأول/أكتوبر الذي استهدف كتيبة من رجال الشرطة قرب وادي الحيتان.
وكانت وزارة الداخلية المصرية أعلنت أن متطرفين مسلحين نفذوا هجوماً على الكتيبة التي كانت في طريقها لتنفيذ عملية أمنية على مخبأ للارهابيين في الواحة البحرية مما أدى إلى مقتل 16شرطياً وإصابة 13 آخرين.
وبعد تلك الحادثة، شن الجيش عددا من العمليات الأمنية الميدانية والغارات الجوية بالتعاون مع الشرطة أسفرت عن مقتل منفذي الاعتداء.
عمليات تهريب عبر الحدود
وتمكن الجيش المصري من احباط عدة محاولات لتهريب السلاح إلى مصر عبر الحدود مع ليبيا.
وفي 27 يونيو/حزيران، تمكن الجيش من تدمير 12 سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة عند محاولتها اختراق الحدود من ناحية ليبيا.
وفي 16 يوليو/تموز، أحبط الجيش المصري محاولة تهريب أخرى للسلاح إلى الداخل المصري عبر الحدود الغربية مع ليبيا.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول أحبط الجيش محاولة جديدة لتهريب السلاح عبر الحدود ودمر ست سيارات رباعية الدفع محملة بالأسلحة على الحدود الغربية، وقتل جميع "العناصر الاجرامية" التي كانت تستقلها، وفق ما جاء في بيان للجيش.
وأضاف البيان أن "وحدات حرس الحدود، وبإسناد من سلاح الجو، تقوم بتمشيط الحدود الغربية للمنطقة التي تمت في العملية".
وضع مأزوم في الصحراء الغربية
هذا، وبدأ الوضع يضطرب في الصخراء الغربية في تموز/يوليو 2014 مع هجوم نفذه متطرفون استهدفوا فيه نقطة تفتيش على الحدود في الفرافرة في الوادي الجديد، مما أسفر عن مقتل 29 جندياً ومجنداً في الجيش. وقتل خلال الهجوم أربعة متطرفين.
وبحسب تحقيقات النيابة العسكرية، فإن منفذ الهجوم الذي وقع في 19 تموز/يوليو 2014 هو ضابط الجيش المفصول هشام علي عشماوي الذي كان يتزعم خلية تابعة لتنظيم أنصار بيت المقدس.
وكان تنظيم أنصار بيت المقدس قد أعلن انضمامه لتنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) ويعمل تحت اسم ولاية سيناء.
وفي هذا الاطار، أكدت الدكتورة إيمان رجب الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "كان لهذا الهجوم أثره في تغير الاستراتيجية العسكرية المتبعة في وضع النقاط الأمنية على الطرق الرئيسية في الصحراء الغربية".
وأضافت للمشارق أن الجيش في وقتها كان يسير دوريات جوية منتظمة في المناطق التي يشتبه بتواجد العناصر الارهابية فيها.
وقالت إنه "بعد تنفيذ هذه العملية حدثت خلافات داخل تنظيم أنصار بيت المقدس"، حيث قام أبو همام الأنصاري زعيم التنظيم بمبايعة داعش لضمان الدعم المالي وغيره.
وأردفت، "وهو ما لم يوافق عليه عشماوي وقرر الهرب ببعض عناصره إلى ليبيا لتكوين تنظيم آخر هناك".
وأوضحت أنه بعد مبايعة أنصار بيت المقدس لداعش، قرر أبو همام إسناد مهمة خلية الصحراء الغربية لأشرف الغرابلي.
ونفذت الخلية عمليتها الثانية، الأولى لها تحت قيادة داعش، في يوليو/تموز 2015 بخطف وذبح توماسلاف سلوبك، مهندس بترول كرواتي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015 نجحت قوات الشرطة في قتل الغرابلي في منطقة المرج شمال شرق القاهرة، بعدما وردت معلومات لوزارة الداخلية عن تردده على المنطقة من أجل التخطيط لهجوم.
مطاردة العناصر المتطرفة
هدأت المواجهات في الصحراء الغربية قليلاً بعد مقتل الغربالي، إلى أن قامت الخلية تحت قيادة زعميها الجديد وليد حسين في 8 أيار/مايو 2016 بقتل ثمانية من عناصر الشرطة في حلوان جنوب القاهرة.
لكن الأجهزة الاستخباراتية نجحت برصد حسين واثنين آخرين في منطقة رأس البر بالقرب من الحدود الشمالية، وتمكنت من قتلهم في 6 يوليو/ تموز 2016.
وبعد مقتل قائدين للخلية في الصحراء الغربية، فضل تنظيم بيت المقدس إعادة ترتيب أوراقه وتعيين عزت محمد حسن المكنى بـ"عزت الأحمر" بقيادة الخلية، وفقا لما أكده الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان.
وأضاف بان للمشارق أن "عزت كان معروفًا بخبرته في تصنيع المتفجرات وتطوير الأسلحة".
وأشار بان إلى أن تحقيقات نيابة أمن الدولة أكدت أن "عزت دعم أحد أفراد داعش في جنوب مصر وهو عمرو سعد عباس وقام بتمويله".
ونفذت الخلية الجديدة بقيادة عزت الأحمر الاعتداء ضد المدنيين الأقباط في كانون الأول/ديسمبر2016، عندما ارتدى محمود شفيق محمد أحد عناصر الخلية حزاما ناسفا وفجر نفسه في إحدى الكنائس في القاهرة مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً.
رصد مخابئ المتطرفين في الصحراء
وبعد شهر على تلك الحادثة وفي 16كانون الثاني/يناير، نفذت الخلية عملية أخرى، ولكن هذه المرة في قلب الصحراء، حيث استهدف التنظيم نقطة تفتيش في الوادي الجديد، وقتلوا ثمانية من عناصر الشرطة وأصابوا ثلاثة آخرين.
وقتل منفذي الاعتداء حين ردت القوات الأمنية عليهم، وفق ما أفادت وزارة الداخلية، حث وقع الاعتداء عند نقطة النقب على بعد 80 كيلومتر من مدينة الخلرجة عاصمة محافظة الوادي الجديد في الصحراء الغربية.
وقال اللواء ثروت النصيري، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، إن الهجوم على الكنيسة البطرسية والهجوم على كمين النقب "من أخطر العمليات التي نفذتها خلية الصحراء الغربية".
وأضاف للمشارق أن "قوات الجيش والشرطة شنت عمليات واسعة ضد الخلية واستطاعت قتل العديد من عناصرها حتى تراجعت عملياتها".
ولفت إلى أن الكثير من عناصر التنظيم فروا إلى قلب الصحراء ما بين مطارد ومتوارٍ عن الأنظار في أحد الأوكار الجلبية.