بعد التراجع الذي عاناه بسبب الاضطرابات السياسية وهجمات المتطرفين، عاد قطاع السياحة في مصر لينمو مجدداً ولكن ببطء شديد، حسبما يؤكد آلاف عمال الأسواق الشعبية الذين يستذكرون أيام كانت فيها محلاتهم تعجّ بالسياح.
ومن هؤلاء أبو آية البالغ من العمر 47 عاماً، والذي يملك محلاً للهدايا التذكارية في مدينة الأقصر الجنوبية التي تضمّ معالم أثرية فرعونية. وما يزال أبو آية يتذكر أيام كان جيب لباسه مليئاً بالنقود.
وقال: "قبل العام 2011، كان حيبي مملوءاً بالدولارات واليورو. أما اليوم، يجلس التجار أمام محلاتهم ويمضون الوقت بقراءة الصحف بسبب قلّة الزبائن".
وفي السوق الشعبي حيث تمتد محلات بيع الهدايا التذكارية والبخور، يبدو أن كل محل وتاجر يعاني من الانكماش الاقتصادي.
وعلى مدى سنوات، عملت مصر على استقطاب المزيد من السياح إلى مواقعها الأثرية الشهيرة وشواطئها النظيفة المشرفة على البحر الأحمر، ونتج عن هذه السياسية ارتفاع عدد السياح ليصل عام 2010 إلى رقم قياسي بلغ 14.7 مليون زائر.
ولفترة طويلة من الزمن، وفّرت السياحة لهذه الدولة حيث الكثافة السكانية هي الأعلى في العالم العربي، إيرادات تحتاج إليها بصورة ماسة.
لكن الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 وما تبعها من سنوات كان فيها التوتر السياسي هو سيد الموقف، أطاحوا بهذه المكاسب وحولوا الوضع إلى كارثة بالنسبة لأربعة ملايين شخص كانوا يعتمدون في عملهم على القطاع السياحي.
وساء الوضع أيضاً في ظلّ تمرد المتطرفين الذي تصاعد عام 2013.
مبادرات على مستوى العلاقات العامة
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، تبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عملية إسقاط طائرة روسية في سيناء بعد انطلاقها من أحد منتجعات البحر الأحمر، ما أسفر آنذاك عن مقتل الركاب الـ 224 الذين كانوا على متنها.
وإثر ذلك، تراجع عدد السياح من 9.3 مليون عام 2015 إلى 5.3 مليون سائح في العام الذي تلاه.
وقال مسؤولون في قطاع السياحة إن تحسناً طرأ بفضل مبادرات أطلقها القطاع على مستوى العلاقات العامة، ومنها تنظيم فعاليات دولية ونشر إعلانات.
وفي هذا الإطار، توقع ماهر عبد الحكيم، وهو خبير في قطاع الضيافة ويرأس مجموعة للترويج السياحي، أن يصل معدل إشغال الفنادق في الأقصر إلى 30 في المائة مع نهاية العام الجاري، مقارنةً بـ 23 في المائة في 2016 و17 في المائة في 2015.
مع ذلك، يبدو طريق التعافي طويلاً، ويظهر ذلك عبر شعور اليأس الذي سخيم على أصحاب المحلات وسائقي العربات التي تجرها الخيول، والذين غالباً ما يضطرون إلى ذل السؤال للعمل.
وكان أحد هؤلاء السائقين قد قال لأحد الزبائن المحتملين أمام مدخل معبد الأقصر الأثري: "سأقبل بأي مبلغ تريد دفعه. أريد شراء العلف للحصان".
ومن أكثر المناطق تأثراً بالوضع، مدينة الأقصر التي كانت في الماضي عاصمة فرعونية ولا تزال تضمّ معابد أثرية مذهلة، هذا بالمقارنة مع المنتجعات المطلة على الشواطئ والتي لا تزال تجذب عدداً منخفضاً ولكن منتظماً من المصطافين.
وقال أحمد محمود، 35 عاماً، وهو عامل سابق في قطاع السياحة وانتقل إلى مجال التعليم، "قبل ثورة 2011، كان يزور الأقصر 1500 سائح فرنسي في غضون أسبوع واحد فقط".
'الناس مذهلون'
ولفت عبد الحكيم إلى معاناة أهالي المدينة، خصوصاً من يعمل منهم في قطاع السياحة.
وأوضح أن "السياح كانوا في الماضي يتجولون حول المواقع الأثرية ويركبون العربات ويشترون الهدايا التذكارية... كان الجميع مستفيداً".
ومع إقرار أبو آية بأن السياح بدأوا يزورون المدينة مجدداً، أشار إلى أن "أصحاب محلات الأسواق الشعبية وأهالي المدينة لم يشعروا بعد بإيجابية هذا الأمر".
ولفت إلى أنه بالرغم من هجوم فاشل نُفذ على معبد في الأقصر عام 2015، تنعم المدينة بالأمن، وهو أمر وافقت عليه السائحة الصينية آن زو.
وأكدت الشابة التي تبلغ من العمر 28 سنة والتي زارت معبد الكرنك حيث أُحبط الهجوم المذكور، "أشعر أن الأقصر أكثر أماناً من القاهرة، والناس هنا مذهلون".