مع تعثر البنى التحتية الطبية في سوريا ونزوح العديد من أطبائها وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق بسبب الأوضاع الأمنية السيئة، عمد أطباء إلى معالجة جرحى الحرب في الجهة اللبنانية والأردنية من الحدود مع سوريا.
وقام العديد من المنظمات الدولية بإنشاء مراكز طبية وغرف عمليات بالقرب من الحدود السورية لمعالجة الإصابات الناتجة عن النزاع المسلح.
وقال الأطباء المتمركزون على الحدود السورية للمشارق، إنهم بالإضافة إلى إجراء عمليات جراحية طارئة لإنقاذ حياة الجرحى، يتابعون حالاتهم ويقدمون خدمات إعادة التأهيل للمحتاجين منهم.
واتخذت هذه الفرق من لبنان والأردن مقراً لعملها بسبب تعذّر العمل بمناطق الحرب في سوريا، وتقوم أيضاً بالتواصل عبر الإنترنت مع الأطباء في الداخل السوري لتقديم الدعم والمشورة لهم.
ومع انهيار قطاع الصحة في سوريا، تدخل أطباء من جمعية إغاثية لا تبغي الربح تعمل في سوريا والدول المجاورة هي الجمعية الطبية السورية الأميركية، للمساعدة في سد النقص في هذا المجال.
وتحدث عن هذا الموضوع طبيب الكلى والمسالك البولية في الولايات المتحدة وعضو لجنة أمراض الكلى في الجمعية الطبية السورية الأميركية، محمد سكرية، وأوضح أن الجمعية تقدم حالياً خدمات طبية في سوريا ولبنان والأردن وتركيا واليونان.
وقال سكرية إن أطباء الجمعية الطبية السورية الأميركية عاينوا العام الماضي ثلاثة مليون حالة وأجروا عمليات جراحية لمصابين في الحرب.
وأضاف سكرية أنه بسبب النقص في الأطباء الأخصائيين، "نساعد عبر الإنترنت ما تبقى من أطباء وطلاب طب في سوريا خلال إجرائهم عمليات جراحية، مستخدمين تقنية ما يسمى بالتطبيب عن بعد".
وتابع: "نجري العمليات مع الأطباء داخل سوريا عن بعد، ونوجههم لإتمام العملية وضمان نجاحها. بهذه الطريقة، نساعدهم على إنقاذ حياة المصابين في مناطق عديدة من سوريا".
عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر من لبنان
من جهته، قال رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان فابريزو كاربوني، إن الحرب في سوريا "تخلف يومياً عدداً كبيراً من الجرحى والعناية الطبية الجيدة غير متوفرة، ما يؤدي لحصول مضاعفات والتهابات".
وأضاف أن "تعذّر إرسال فرق طبية متخصصة من الصليب الأحمر الدولي إلى مناطق كثيرة في سوريا، دفعنا للعمل من لبنان مستغلين خبرته الطويلة في معالجة الإصابات الناتجة عن الحروب".
وأوضح أن جلّ ما نستطيع عمله في الداخل السوري هو دعم المنشأت الطبية [في المناطق] الخاضعة لسيطرة النظام، وتأمين معدات طبية للمراكز الموجودة [في مناطق] تسيطر عليها المعارضة".
وتابع: "قمنا منذ ثلاث سنوات وبالشراكة مع جراحين من المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، بتطوير مركز للجراحة الترميمية في كل من طرابلس ومستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت، حيث نوفر خدمات جراحة الحروب والمعالجة النفسية وتركيب الأطراف الصناعية".
وأردف كاربوني أن نوع الإصابات متعدد، وهي ناتجة عن "التفجيرات وانهيار المباني والتأخر في العلاج ما يتسبب في التهاب الجروح، إضافة إلى الحروق وفقدان الأطراف، لافتاً إلى أن الجرحى ينتمون إلى مختلف الشرائح العمرية وبينهم عدد كبير من الأطفال".
وذكر أن مراكز اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعالج مئات المرضى سنوياً وتتابعهم لفترة لا تقل عن ستة أشهر، لوجود حالات تستدعي عمليات جراحية عدة وإعادة تأهيل.
برنامج جراحة الإصابات الناجمة عن الحروب
وفي سياق متصل، قال رئيس قسم جراحات التجميل والترميم في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت الدكتور غسان أبو ستة، إن الإصابات والإعاقات الناتجة عن الحرب في سوريا "تتراكم وتتزايد بسبب انهيار القطاع الصحي وهجرة الأطباء بأعداد هائلة".
وقد دفع ذلك بمن تبقى من الكوادر الطبية إلى صبّ جهودهم على إنقاذ الحياة، بحسب ما اطلع المشارق.
وأضاف أنه لسد النقص الحاصل في الأطباء، "تدخلت المنظمات الدولية في إجراء جراحة الحروب والجراحة الترميمة"، ما ساهم في التعويض عن هجرة 50 في المائة من أطباء سوريا و60 في المائة من أطباء العراق.
وكشف أنه يتم حالياً تنفيذ برنامج لجراحة الحروب والترميم بالشراكة مع المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت والمنظمات الطبية الدولية.
وأكد أن المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت يسعى لتطبيقه في الدول التي تشهد نزاعات كالعراق وسوريا وليبيا، لتدريب الأطباء فيها على جراحة الحروب.
ولفت أبو ستة إلى أن هذه الجهود "تهدف إلى إنقاذ حياة من أصيبوا إصابات بالغة تستدعي عمليات جراحية، لا سيّما في ظل ازدياد عدد الجرحى".
وقال إن عدد الجرحى في سوريا سنويا يعادل ستة أضعاف عدد القتلى.
أطباء بلا حدود في الأردن
ومن الأردن، تحدث للمشارق الأخصائي في جراحة العظام ومنسق منظمة أطباء بلا حدود الدكتور رشيد السمرائي عن التحديات التي ترافق جراحة الحروب.
وقال: "لدينا في مستشفى المواساة فريق من جراحي العظام وأخصائيين بجراحة تجميل الوجه والفكين والجراحة التقويمية، يجرون عمليات للمصابين".
وأضاف: "نواجه غالباً حالات صعبة ومعقدة"، مشيراً إلى أن كل يوم يشهد قدوم حالات يشكّل علاجها تحدياً كبيراً.
ولفت السمرائي إلى أن نسبة نجاح عمليات الحروب تختلف بحسب الإصابة وسرعة التدخل للمعالجة.
ولم يخف أن جراحة الحروب "متطلبة، نظراً لنوعية الإصابات ومقدار الضرر الذي يتعرض له الجريح نتيجة للمضاعفات التي يمكن أن تتسبب بها".
وأردف أن مستشفى المواساة تعالج عدداً كبيراً من الجرحى السوريين والعراقيين واليمنيين، إلا أن قربها من سوريا يسمح للمرضى السوريين بسرعة الوصول إليها، ما يجعل معالجة جروحهم أكثر سهولة.
ولفت إلى أن أبرز الإصابات هي تلك المتعلقة بـ "فقدان الأنسجة وتقلصات الأنسجة وحروق متقدمة وإصابة أوتار اليد".
وقال: "كل هذه الحالات تستدعي منا إجراء جراحة تقويمية، ومحاولة تعويض ما فقده الجرحى من عظام وأنسجة وأعصاب".
وختم مشيراً إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تعالج شهرياً 60 حالة من كل الأعمار ويرتفع العدد في حالات الطوارئ، مضيفاً أن الكوادر الطبية في المنظمة يعملون جاهدين لمواكبة كل جديد في مجال الجراحة بهدف توفير العلاج الناجع للمرضى في مناطق النزاعات.