أكد مسلمون ومسيحيون من مختلف شرائح المجتمع في حديث للمشارق، أن مصريين من كل الانتماءات الدينية أظهروا تضامنهم مع ضحايا وعائلات ضحايا هجومي أحد الشعانين منذ لحظة وقوعهما.
وأشاروا إلى أن الإرهابيين لا يميزون بين مسلم ومسيحي عند ارتكاب جرائمهم، إذ أن هدفهم يتمثل في إثارة الفتنة الطائفية وخلق شرخ في المجتمع المصري.
وذكرت وزارة الصحة أن التفجير الأول الذي استهدف كنيسة مار جرجس في طنطا أسفر عن مقتل 27 شخصاً، في حين أدى التفجير الثاني الذي طال كنيسة مار مرقس في الاسكندرية إلى مقتل 17 آخرين بعد أن منع انتحاري من دخول المبنى.
وأصيب ما لا يقل عن 70 شخصاً في الهجومين الأخيرين اللذين استهدفا أبناء الطائفة القبطية في مصر وتبناهما تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
وفي أعقاب الهجومين، أعلنت الحكومة المصرية الحداد العام مدة ثلاثة أيام على أرواح الضحايا.
وفي هذا السياق، قال القمص ميخائيل باخوس من كنيسة مار مينا بالجيزة للمشارق، إنه عندما تعلن الدولة حالة الحداد، تُقام سرادق العزاء في كل المناطق لاستقبال المعزّين.
وأكد أن "الضحايا يعتبرون شهداء مصر".
وأضاف أن ردود فعل المصريين على الهجمات جاءت منددة وغاضبة، بغض النظر إذا ما كان الضحايا مسلمين أم مسيحيين.
وتابع أنه بالرغم من محاولات داعش الهادفة إلى إثارة الفتنة الطائفية ، أكد "المصريون مراراً على تكاتفهم وفشلت جهود الإرهابيين للتفريق بينهم".
الناجون يتبرعون بالدم
وعند وقوع الانفجار، كان عباس الشاكر، 50 عاماً، وهو صاحب محل تجاري في الإسكندرية، على مقربة من كنيسة مار مرقس.
وأوضح للمشارق أنه كان بانتظار انتهاء القداس للقاء أصدقائه الأقباط ومعايدتهم كما يفعل كل عام.
وقال إنه كان أحياناً يدخل إلى الكنيسة إلا أنه وصل متأخراً هذا العام.
وذكر أنه فور سماعه دوي الانفجار، شعر أن الكنيسة هي المستهدفة بسبب المخاوف الأخيرة من هجمات محتملة ضد المسيحيين، واتجه نحوها على الفور.
وأشار إلى أن الغبار والدخان كانا يتصاعدان من المكان في حين كانت القوات الأمنية تهرع باتجاهه.
ولفت إلى أنه لم يتمكن من الاقتراب بشكل كافٍ للاطمئنان على أصدقائه بسبب الطوق الأمني، لكنه توجه إلى المستشفى حيث نقلت فرق الإسعاف المصابين.
وأضاف الشاكر: "توجهت دون تفكير إلى بنك الدم للتبرع بالدم لإدراكي الحاجة الماسة إلى مختلف فصائل الدم لمعالجة الجرحى".
وأثناء وجوده في بنك الدم، توافد العديد من الشبان وغالبيتهم من المسلمين للتبرع بالدم.
"جميع الشهداء مصريون"
وأكد الشاكر أن العلاقة بين أهالي الاسكندرية من مسلمين ومسيحيين علاقة مميزة، لافتاً إلى أنها لا طالما كانت جيدة وتظهر دوماً حالة تكاتف بينهم في أوقات الأزمات والأفراح على حد سواء.
ومن جانبه، قال الشيخ عبد الظاهر شحاتة وهو عضو في لجنة الفتاوى في الأزهر الشريف ومحاضر في كلية الشريعة الأزهرية في مصر، إن "الشهداء الذين سقطوا في التفجيرين هم جميعاً شهداء مصريون ولا فرق بينهم بغض النظر عن انتمائهم الديني".
وأضاف للمشارق أنه "رغم حالة التوتر التي عاشها الجميع عند حصول التفجيرين وبعدهما، إلا أن حالة التكاتف الاجتماعي والوطني كانت واضحة جداً في معظم المناطق المصرية".
ولفت إلى أنه في كلتا الكنيستين، هرع المسلمون والمسيحيون لإنقاذ الجرحى ومحاولة إنقاذ الذين يمكن إنقاذهم.
وأضاف أن الشباب المسيحيين والمسلمين نزلوا إلى الشوارع معاً في تظاهرات عفوية منددة بالإرهاب "ويدل ذلك على إفشال مخطط داعش في إثارة الفتنة بين المصريين وتحديداً بين المسلمين والأقباط".
وشدد شحاتة على أن المرحلة التي ستلي هجومي الأحد ستشهد جهوداً معززة لنشر الوعي الأمني والترويج للفكر الديني الوسطي.
وأشار إلى أن المهمة ملقاة على كاهل رجال الدين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، إضافة إلى المؤسسات التربوية الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني.
الإرهاب لا يستثني أحداً
في هذا الإطار، قال محمود قاسم المنسى، 45 عاماً، وهو من محافظة الشرقية ويعمل كمدرس في مدرسة خاصة، إن قريبه الشرطي محمد رفعت المنسى قتل في تفجير طنطا وكان مكلفاً بالعمل في ناحية كنيسة مار جرجس.
وذكر محمود في حديث للمشارق أن قريبه مسلماً ويعمل والده كداعية وخطيب في المساجد التابعة لوزارة الأوقاف.
وأكد أن "سقوطه بالتفجير هو دليل على أن الإرهاب لا يستثني أحداً على الإطلاق، وأن على الجميع مواجهته في مصر وخارجها".
وأضاف محمود أن العديد من المناطق القريبة من طنطا ومناطق محافظة الشرقية المجاورة أقامت سرادق للعزاء كتعبير عن التضامن مع الضحايا.
وقال إن "والد الضحية هو من الأئمة المعروفين بالإعتدال في خطابه ونشره لروح التسامح ونبذه الإرهاب والأفكار المتطرفة الدخيلة على الدين الإسلامي".
وأشار محمود إلى أنه ومنذ شيوع خبر وفاة ابنه، التزم والد الضحية الصمت التام مردداً عبارة واحدة هي "الله يرحمه، شهيد الوطن".
عمليات الذئاب المنفردة
بدوره، قال الخبير العسكري اللواء المتقاعد في الجيش المصري طلعت موسى، إن الهجومين على الكنيستين القبطيتين يأتيان في ظل تعرض داعش للضغط في سيناء حيث دمّر الجيش المصري ملاجئ ومخازن أسلحة وعجلات تابعة للتنظيم.
وأوضح للمشارق أنه يمكن اعتبار الهجمات على الداخل المصري "عمليات انتقامية"، لافتاً إلى أن مرتكبيها عملوا على رصد نقاط ضعف يمكن اختراقها.
وأشار موسى إلى أن 2626 كنيسة شهدت احتفالات دينية يوم وقوع الانفجارين، مضيفاً أن "حصول التفجيرين لا يدل على أي تراخٍ أمني أو عدم جدية في التعامل مع التهديدات الإرهابية".
وتابع "بل على العكس، يتجه تنظيم داعش إلى تنفيذ عمليات الذئاب المنفردة وهي من أنواع العمليات التي يصعب جداً إحباطها".
وذكر أن تفجير الاسكندرية وقع عند مدخل الكنيسة بعيد كشف منفذ العملية من قبل الضابط في الشرطة الذي كان مسؤولاً عن أمن الكنيسة وكان موجوداً عند المدخل الرئيس لباحة الكنيسة.
وأكد "لو أن الإرهابي نجح في الدخول إلى الكنيسة، لكان عدد الضحايا مرتفعاً جداً"، مشيراً إلى أن العدد الأكبر منهم كان من قوات الشرطة.