عقد مصرفيون ومسؤولون أمنيون لبنانيون في بيروت الأسبوع الماضي منتدى لمناقشة مشكلة الجريمة الإلكترونية المتنامية والتي تلجأ إليها الجماعات الارهابية بوتيرة مرتفعة لتمويل عملياتها.
وقد أخذت الجرائم الإلكترونية تشغل حيزا متزايدا من اهتمام المعنيين في لبنان مع ارتفاع وتيرة اعتماد المصارف على المعاملات الإلكترونية في خدمة زبائنها وارتفاع وتيرة عمليات الاحتيال والاختلاسات، بحسب ما قال مشاركون في المنتدى.
وقد نظم للعام الثاني "ملتقى مكافحة الجريمة الإلكترونية" في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي اعدته مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتعاون مع هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيروت.
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن "الجرائم الإلكترونية التي تنتهك الحسابات المصرفية والمعلومات المالية والتجارية والبيانات الشخصية تشكل اليوم موضوع اهتمام لدى الحكومات والهيئات الرقابية بعد جرائم الارهاب لجهة احتمال ارتباطها بالاخيرة".
ولفت إلى أن مجلس النواب اللبناني وافق العام الماضي على التشريعات المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب ونقل الاموال عبر الحدود وتبادل المعلومات الضريبية.
واعتبر سلامة أن قانون السرية المصرفية الذي يطبقه لبنان لا يشكل عائقا أمام رفع السرية عن الحسابات والأموال المشبوهة وتبادل المعلومات بشأنها.
واشار إلى ان "رفع مستوى متطلبات الشفافية وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب لا يتنافي مع قانون السرية المصرفية الذي ما يزال يرعى الحسابات المصرفية والمالية السليمة".
من الجرائم الآيلة إلى انتشار أكبر
من جهته، اعتبر المدير العام لقوى الأمن الداخلي ابراهيم بصبوص أن "الجرائم المالية وجرائم تبييض الاموال وتمويل الارهاب تعد من اكثر الجرائم التي تهدد استقرار النظام المالي والاقتصادي العالمي كما انها تهدد الاستقرار الأمني للدول ومن بينها لبنان".
وشدد على اهمية تعزيز وضع لبنان المالي عالميا والوفاء بالتزاماته والانضمام للمعاهدات الدولية في هذا المجال.
اما الامين العام لهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور، فأعتبر أن تنوع اساليب الجريمة الإلكترونية وعمليات الاحتيال والقرصنة الإلكترونية من احدى النتائج السلبية للتطور التكنولوجي في العالم.
واشار إلى خطورة هذا النمط من الجرائم لجهة سرعة حدوثها وتحويل الاموال المختلسة عبر الحدود لتعبر عدة دول في وقت قصير، فضلا عن مجهولية الفاعل ما يجعل امكانية استعادة الاموال امرا شبه مستحيل.
وتحدث عن تطور وتيرة الجريمة الالكترونية لافتا إلى أن الهيئة تلقت في عام 2011 بلاغا واحدا عن قضية واحدة قيمتها خمسة الاف و500 دولار أمريكي بينما في عام 2015 تلقت الهيئة 84 بلاغا قيمتها 12 مليون دولار وفي العام الحالي تلقت حتى الآن 137 بلاغا تجاوزت قيمتها 8 ملايين دولار.
توجيهات حول منع الجريمة الإلكترونية
وقال منصور إن الهيئة بالتعاون مع مصرف لبنان وجمعية المصارف والأمن الداخلي أعدوا الدليل الارشادي للوقاية من الافعال الجرمية بواسطة البريد الإلكتروني الخاص بالقطاع المالي والافراد من تجار.
ويعرض الدليل لنماذج من الجرائم مع التدابير الاحترازية الواجب اتباعها للوقاية منها، وأعلن عن انجاز الدليل الارشادي الخاص بالافراد والمؤسسات غير المالية.
ولفت نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والاعمال فيصل ابو زكي إلى أن "الجريمة الإلكترونية تعتبر احدى اخطر الجرائم التي تواجهها الدول في ظل الانتشار السريع لاستخدام الإنترنت في التجارة والمصارف وتأمين الخدمات الحكومية والتواصل بين الافراد".
رئيس وحدة مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب في مصرف شمال افريقيا التجاري شوقي احوش اكد للمشارق "ازدياد الجرائم الإلكترونية المتبعة في لبنان مع الاعتماد المتزايد من قبل المصارف للخدمات المصرفية عبر الانترنت والهواتف النقالة".
واشار إلى أن أبرز الجرائم الإلكترونية في لبنان تتمحور حول الرسائل الإلكترونية المزورة والتي تتضمن اوامر صرف وتحويل اموال.
وقال احوش "المشكلة التي تواجهنا تكمن في غياب التشريعات والقوانين التي تساعدنا في ملاحقة هذه الجرائم قضائيا في حال تعرضنا للقرصنة".
واكد بذل المصارف الجهود المتزايدة لتأهيل موظفيها لمواجهة هذه الجرائم والتشدد في التثبت من هوية العميل في المعاملات التي تتم عبر البريد الالكتروني.
أمن الانترنت في لبنان
الاستشاري في أمن المعلومات العميد المتقاعد جاك بكاييف قال للمشارق إن أمن المعلومات يرتكز على ثلاث نقاط هي الخصوصية والتكامل والتوفر.
أما مشكلة الإنترنت في لبنان فهي توفر خدمة الانترنت كما يجب، بحسب ما قال.
وأشار إلى أن "امكانية الوصول الى المعلومات وتهديدها امر مرتبط بالبنى التحتية للإنترنت ومدى تطورها"، مؤكدا أن البنية المتردية في لبنان يجعل من عملية اختراقها أمرا سهلا.
ولفت بكاييف إلى أن "أحد الجرائم الإلكترونية التي يواجهها لبنان حاليا يتمثل بجرائم الفدية حيث يدخل احدهم إلى حسابك الإلكتروني ويقوم بتشفيره مطالبا بفدية مالية مقابل فك الشيفرة".
واعتبر أن العملية تشبه ما يحصل في عملية اختطاف الاشخاص.
وشدد على اهمية "الحذر والوعي في التعامل مع الرسائل الغريبة التي ترد الى بريد كل شخص". وقال في العام الماضي كانت الجرائم في اكثرها تنصب على سرقة التحويلات المصرفية عبر البريد الإلكتروني، وهي لاتزال مستمرة وان بوتيرة اقل.
بدورها، قالت رئيسة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في قوى الأمن الداخلي المقدم سوزان الحاج إن "الجرائم الإلكترونية لا تنحصر في القطاع المصرفي والمالي".
وأضافت "هناك شكاوي نتلقاها تتعلق بعضها في قرصنة التحاويل المالية والبعض الآخر في قرصنة بيانات شخصية وطلب فدية مالية لقاء فك شيفرة".
ولفتت إلى أن الجريمة الاخيرة تتزايد وتيرتها، ويسجل المكتب بمعدل 45 حالة قرصنة سنويا.
ويفتقد لبنان لوجود قانون للتعاملات الرقمية والتوقيع الإلكتروني الامر الذي يصعب على المسؤولين مهمتهم في توفير الحماية الرقمية في التعاملات المالية.
وتتولى رسميا مكافحة الجريمة الإلكترونية المالية في لبنان جهتان هما هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان والتي تعنى بمكافحة تبييض الاموال، ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في وحدة الشرطة القضائية في قوى الامن الداخلي.