مع اقتراب القوات المحررة من محيط محافظة الرقة السورية، وجدت العشرات من العائلات السورية نفسها مضطرة للنزوح من بلداتها والسير في مسيرة طويلة وشاقة هرباً من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
معظم العائلات وأغلبها من النساء والأطفال، غادرت إلى لبنان حيث كانت وجهتها النهائية بمخيمات عشوائية بقب الياس ومنازل أقارب بقرى قضاء جبل لبنان.
واعتبرت النساء اللواتي تحدثن إلى المشارق وهن متحدرات من بلدتي العجاجية بمنطقة الجرنية التي تبعد حوالي 100 كيلومتر عن مدينة الرقة والطركة القريبة من منطقة الطبقة، أنهن لم يجدن أمامهن سوى الفرار بعدما ضاقت بهم سبل الحياة.
وروت النسوة أنهن دفعن أموالاً طائلة، للإلتحاق بأزواجهن الذين يعملون بلبنان، وبأنهن سرن لساعات طويلة عبر الجبال مع مهربين لا يعرفن هوياتهم يرافقهن شعور كبير بالخوف من مصادفة عناصر من داعش.
ومن بين هؤلاء، زهية محمد وابنتها البالغة عامين وحماتها فاطمة المريضة من بلدة الطركة القريبة من مدينة الطبقة، وقد استقرت محمد في بلدة مزرعة يشوع حيث يعمل زوجها بالنجارة.
وروت محمد للمشارق: "بعد دخول داعش الرقة وسيطرتها بالكامل على مفاصل كل المنطقة، تمكن زوجي منذ عام من الفرار إلى لبنان، فبقيت مع حماتي وطفلتي".
وأضافت: "عشنا تحت قوانين داعش التي إتخذ عناصرها من المدرسة ومخفر الشرطة مقراً لهم. لذا، نادراً ما كنت أخرج كي لا أتعرض لمضايقات، أو مشاهدة تعذيب المواطنين وقتلهم كما حصل مراراً امامي".
إلا أن العمليات العسكرية الأخيرة وإشتداد القصف الجوي على مواقع داعش، دفع بهن إلى "بذل جهد جدي للمغادرة".
ولفتت "أصر زوجي على مغادرتنا البلدة"، لكن ذلك لم يكن بالمهمة السهلة حيث احتاجت العائلة سبيلا آمنا يوصلها إلى لبنان.
رحلة خطيرة
وتجمعت حوالي 20 عائلة "وانطلقنا بالأسبوع الأخير من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، بمغامرة محفوفة بالمخاطر بداية بشاحنة، اقلتنا بإتجاه الجبال"، بحسب ما قالت محمد.
وتابعت "وبعد إستراحة قصيرة، إضطررنا للسير على نور القمر لساعات، برغم كل التعب الذي أنهك الكبار كما الصغار".
وقد إستغرقت رحلة الفرار من الطركة وصولاً إلى دمشق عن طريق القامشلي أربعة ايام.
وشرحت "سرنا بطرقات جبلية، بعيدة عن داعش. لكننا، وفيما كنا نهم بإجتياز طريق جبلية، إعترضنا خمسة عناصر منهم. تحدث إليهم المهرب، فكان ردهم بصوت عال ’إذهبوا إلى بلاد الفسق‘، وأكملوا طريقهم".
وقالت إنه تناوب على تهريب المجموعة أربعة رجال.
وأضافت "أوصلنا المهرب الأخير إلى أقرب نقطة من القامشلي، وطلب منا السير بمفردنا [ما تبقى من المسافة]".
ومن القامشلي توجهوا جواً إلى دمشق، ومنها إلى لبنان حيث كان زوجها بانتظارهم عند نقطة المصنع، عند الحدود اللبنانية السورية.
وذكرت "نعيش اليوم بعيداً عن بطش داعش والويلات التي ستجرها لاحقاً للبلدة".
طريق جبلية وعرة
ومن بلدة العجاجية بمنطقة الجرينة بالرقة، فرت عايشة الجاسم مع أطفالها الثلاثة وأقاربها إلى لبنان منتصف تشرين الأول/أكتوبر الفائت.
وروت للمشارق: "دفعنا الوضع الأمني بالمنطقة وتطويق داعش قريتنا، وتضييق الخناق علينا للهروب. زوجي بلبنان، وأهلي يعيشون ببلدة منبج. ومع بدء الحديث عن قرب تحرير الرقة أصر زوجي على مغادتنا البلدة".
وأشارت إلى أن "الرحلة إنطلقت من أمام البيت بسيارة إجرة أقلتنا إلى مدينة الرقة، وأبلغ السائق الحواجز التي إجتزناها أننا متجهون للعيش بالمدينة".
وأضافت الجاسم أنه بعدما تقاضى السائق إجرته، تم ايصالهم عن طريق مهرب إلى سد تشرين حيث انضموا لعشرات العائلات الهاربة أيضا.
وقالت إن المحطة الثانية من الطريق، كانت تسلق الجبال عبر طريق وعرة، خصوصا على أطفالها البالغين ثلاثة وأربعة وخمسة أعوام.
وأشارت إلى أن الرحلة استغرقت ثلاثة أيام إلى أن وصلوا لمشارف دمشق، ومنها توجهوا إلى لبنان عبر البقاع، حيث كان زوجها بإنتظارهم.
وإنتقلوا للعيش بعدها في خيمة بمخيم عشوائي بمنطقة قب الياس.
وأشارت الجاسم إلى أن ظروف الحياة بالعجاجية "باتت صعبة جداً، فكان لا بد لنا من الهرب منها"، معتبرة أن استمرار العائلة أتى بنتيجة.
الهروب من داعش
ومن العجاجية أيضاً، وصلت زينب الجاسم مع اولادها الخمسة بالأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وهي قريبة عايشة الجاسم وتتقاسم معها نفس الخيمة.
وقالت للمشارق: "كان لابد لنا من المغادرة. إخترنا لبنان لوجود شقيقي وعائلته، لأن زوجي متوف. كثر نصحوني بالتوجه لمراكز إيواء قريبة من الحدود التركية لتوفر الإغاثة. لكني فضلت لبنان لأني أبحث عن الأمان لعائلتي".
وأشارت إلى أن "رحلتنا كانت محفوفة بالمخاطر. إختبأنا مرات عديدة كي لا يرانا عناصر داعش. تسلقنا الجبال ونمنا بالبرية لليلتين. كنا نسير بالليل ونرتاح نهاراً".
وبعد وصولها إلى دمشق مع أولادها إستقلت سيارة إجرة ودخلت مع عائلتها لبنان، وإستقرت بمخيم في البقاع.
وأجمع كل الذين تحدثوا للمشارق أن أهالي بلدات الرقة، يعيشون الخوف من ممارسات داعش، ويتجنبون الخروج من بيوتهم وقراهم، وبأن سبل مقومات الحياة بدأت تنفد، عدا عن خوفهم مما ستقدم عليه داعش إذا تم تضييق الخناق أكثر عليها مع تصاعد العمليات ضدها.
وأكدوا أن العديد من الأهالي يفكرون بالهروب، وأن هناك عائلات تعيش بالبراري بعيداً عن اعين داعش.